هل كان ابن نوح من أهله؟!

الأربعاء 28 فبراير 2018 - 13:09 بتوقيت غرينتش
هل كان ابن نوح من أهله؟!

أنبياء – الكوثر.. فإن سأل سائل عن قوله تعالى: {وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود: 45].

 

نقول في هذه الآية وجوه...

أوّلها: إنَّ نفيه لأن يكون من أهله لم يتناول فيه نفي النسب، وإنما نفى أن يكون من أهله الذين وعده الله تعالى بنجاتهم، لأنّه عزَّ وجلَّ كان وعد نوحاً (عليه السّلام) بأن ينجّي أهله في قوله: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}، فاستثنى من أهله من أراد إهلاكه بالغرق.

ويدلّ على صحة هذا التّأويل، قول نوح (عليه السلام): {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}.

وعلى هذا الوجه، يتطابق الخبران ولا يتنافيان.

وقد روي هذا التّأويل بعينه عن ابن عباس وجماعة من المفسِّرين.

 

الوجه الثّاني: أن يكون المراد من قوله تعالى: {لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}، أي أنه ليس على دينك، وأراد أنه كان كافراً مخالفاً لأبيه، فكأن كفره أخرجه من أن يكون له أحكام أهله. ويشهد لهذا التأويل قوله تعالى على سبيل التّعليل: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}، فتبين أنه إنما خرج عن أحكام أهله بكفره وقبيح عمله. وقد حكي هذا الوجه أيضاً عن جماعة من أهل التأويل.

 

الوجه الثالث: أنه لم يكن ابنه على الحقيقة، وإنما ولد على فراشه. فقال(ع) إن ابني على ظاهر الأمر. فأعلمه الله تعالى أنّ الأمر بخلاف الظاهر، ونبّهه على خيانة امرأته، وليس في ذلك تكذيب خبره، لأنه إنما أخبر عن ظنّه وعما يقتضيه الحكم الشّرعي، فأخبره الله تعالى بالغيب الذي لا يعلمه غيره...

 

والوجهان الأوّلان هما المعتمدان في الآية. فإن قيل أليس قد قال جماعة من المفسّرين إن الهاء في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} راجعة إلى السؤال؟ والمعنى أنّ سؤالك إياي ما ليس لك به علم عمل غير صالح، لأنه قد وقع من نوح(ع) السؤال والرغبة في قوله: ربّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق، ومعنى ذلك نجّه كما نجيته. قلنا: ليس يجب أن تكون الهاء في قوله إنه عمل غير صالح، راجعة إلى السؤال، بل إلى الابن، ويكون تقدير الكلام: إن ابنك ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه...

فإن قيل: لو كان الأمر على ما ذكرتم، فلم قال الله تعالى: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، فكيف قال نوح(ع) من بعد: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

قلنا ليس يمتنع أن يكون نوح(ع) نهي عن سؤال ما ليس له به علم، وإن لم يقع منه، وأن يكون هو(ع) تعوَّذ من ذلك، وإن لم يواقعه. ألا ترى أنّ نبيّنا(ص) قد نهي عن الشّرك والكفر، وإن لم يقعا منه، في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}؟

وإنما سأل نوح(ع) نجاة ابنه باشتراط المصلحة، لا على سبيل القطع. فلما بين الله تعالى أن المصلحة في غير نجاته، لم يكن ذلك خارجاً عما تضمَّنه السؤال.

فأمّا قوله تعالى: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، فمعناه لئلّا تكون منهم. ولا شكّ في أنّ وعظه تعالى هو الّذي يصرفه عن الجهل وينزّهه عن فعله. وهذا كلّه واضح.

 

*تنزيه الأنبياء(ع)، للسيّد مرتضى علم الهدى، دار الأضواء، ص 35 ـ 38.