النّجوم والشّياطين!

الثلاثاء 13 فبراير 2018 - 10:13 بتوقيت غرينتش
النّجوم والشّياطين!

مفاهيم قرآنية - الكوثر

محمد عبدالله فضل الله

من ظاهر بعض الآيات الواردة في القرآن الكريم، يستشف المرء أن النجوم في السماء هي مجعولة من الله تعالى حتى تُرجم بها الشّياطين التي تحاول الاطّلاع أو الصعود إلى الملأ الأعلى، وهذا ما نراه في العديد من آيات الله المباركة، قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ}، وقال: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ* وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ* لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ* دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ* إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}. وقال عزَّ من قائل: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ* وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ* إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ}.

ويجيب على هذه الشّبهة، سماحة حجّة الإسلام الشيخ محمد هادي معرفة، لافتاً إلى أنه لا يمكن الأخذ بظاهر هذه الآيات، وإنما هي للدّلالة على المعاني الرمزية التي يراد تفهيمها للناس. يقول سماحته:

"... فلا تتصوّر من الشياطين أجساماً على مثال الأناسي والطيور، ولا رَجمها بمِثل رمي النُشّاب إليها، ولا مُرودها بمثل نفور الوحش، ولا استماعها في محاولة الصّعود إلى الملأ الأعلى بالسّارق المتسلّق على الحيطان، ولا قذفها بمثل قذف القنابل والبندقيّات، ولا الحرس الذين ملأوا السماء بالجنود المتصاكّة في القِلاع، ولا رصدها بالكمين لها على غِرار ميادين القتال... إذ كلّ ذلك تشبيه وتمثيل وتقريب في التّعبير لأمرٍ غير محسوسٍ إلى الحسّ لغرض التفهيم، فهو تقريبٌ ذهنيّ، أمّا الحقيقة، فالبون شاسع، والشُقَّة واسعة، والمسافة بينهما بعيدة غاية البُعد". [كتاب "شبهات وردود حول القرآن الكريم"، محمد هادي معرفة، ص 323].

ويشير العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) في معرض تناوله لبعض الآيات القرآنيّة المرتبطة بالموضوع، إلى أنّ هذا من شأن الغيب الّذي احتفظ الله بعلمه ولم يعرّفنا تفاصيله:

"{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} منازل الشّمس والقمر، التي خلقها الله على هذا المستوى، وأطلق عليها اسم البروج، تشبيهاً لها بالقصور لعظمتها، وتدليلاً على القدرة الإلهيّة في إبداعها من الضخامة والعلوّ دون قواعد ثابتة ترتكز عليها، إضافةً إلى ما فيها من نظام يمدّ الكون كلّه بالدّفء والنور والحياة، ويحقّق للناس النعم الكثيرة التي لا تعدّ ولا تحصى، حتى عادت السّماء مظهراً للقدرة من جهةٍ، وللنّعمة من جهةٍ أخرى.

... {وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ}، بوضع حاجز بين وصول تلك المخلوقات القادرة على الاطّلاع على أسرار الخلقة وعظمة التكوين وأخبار العالم العلويّ، بما تملكه من قدراتٍ ذاتيةٍ أودعها الله فيها، وبين السّماء، لمنعها من اختراق الحجب، والوصول إلى ما خلفها من عوالم، {إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ}، فنفذ من خلال بعض الثّغرات التي يحاول أن يستمع منها إلى بعض ما يدور في أجواء السماء، ولكنّه لا يبلغ هدفه، لأنه كلّما اقترب منها وحاول الوصول إلى ما يريد، سلّط الله عليه شيئاً يمنعه من ذلك، {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} مثل الشّعلة الملتهبة الخارجة من النار، كما نلاحظ في الأجرام المضيئة، كأنَّ الواحد منها كوكب ينقضّ دفعةً واحدة من جانبٍ إلى آخر، ثم لا يلبث أن ينطفئ.

وقد يتساءل المرء عن المنطقة التي يمكن أن ينفذ إليها الشّياطين لاستراق السمع، وما هي هذه الأحداث التي تدور في هذا العالم الذي يسمَّى السماء؛ هل هناك ملائكة يتحدثون بأسرار الكون وقضايا الناس، فيحاول الشياطين التعرُّف عليها، ليملكوا من خلالها السيطرة على العالم الأرضيّ؟ وما هي هذه الشّهب، هل هي مثل الأجرام التي نشاهدها في السّماء، أم أنها حواجز طبيعيّة تمنعهم من الوصول إلى غاياتهم؟ أو ماذا؟ إنّها علامات استفهام مفتوحة على علامات استفهامٍ أخرى عند الدّخول في التفاصيل، ولكنَّ الإجابة عنها غير موجودة بشكل كاف يشفي الغليل ويرفع الحيرة، لذا يحسن أن نترك أمرها إلى الله، لأنها في دائرة الغيب الّذي احتفظ به لنفسه، ولم يعرّفنا تفاصيله، ولم يكلّفنا معرفته، لعدم امتلاكنا وسائله".[تفسير من وحي القرآن، ج 13، ص 149-150].

من هنا، فإنَّ الّذين يسلّمون لله أمورهم، يعون أنَّ الغيب عالم خاصّ يريدنا تعالى ألّا ننغمس في تفاصيله، وألّا نستغرق فيها، وأن نذكر الله في مواطن عظمته وقدرته كلّها، بما ينعكس مزيداً من التّهذيب الروحي والأخلاقي والارتباط الإيماني والوجداني العميق بالله تعالى.

المصدر: بينات