كان المرحوم الميرزا النائيني أستاذاً لعدد كبير من المراجع والعلماء كالسيد الحكيم والسيد الخوئي والشيخ حسين الحلي وأمثالهم - قدس الله أرواحهم - وكان يحضر بحثه أكثر من (400) طالب بمختلف المستويات، لكن الذين يفهمون مطالبه العلمية المعمّقة لا يتجاوز عشرة بالمئة من العدد، وبين الحضور كثير لا يفقه شيئاً إلا أنه يحضر للتبرك ونحو ذلك، وإذا شارك في سؤال أو مناقشة فإنه ينكشف أمره أمام الحاضرين ٠
وكان من هؤلاء المتدنين في العلم شخص متوسط العمر إلا أنه فاجأ أستاذه والعلماء الحاضرين ذات يوم بمناقشات وتحقيقات أذهلتهم لأنها لا تتصور من أمثاله وإنما من العلماء المحققين الذين أمضوا سنين في البحث والتحقيق فانبهر الأستاذ وأوقف بحثه وطلب من الحاضرين الهدوء والإنصات لهذا الشيخ ليعرف سرّ هذه القفزة الكبيرة في مستواه العلمي، وهنا تحدّث الشيخ ٠
قال : خرجت ليلة أمس لأشتري الخبز فمررت على خربة يصدر منها أنين ظننت أنهم جراء لكلبة ولدتهم، فلما دخلت وجدت هرة مطروحة على الأرض ميتة وأفراخها يلوذون بها ليمتصوا منها اللبن فلا يجدون ويتألمون من الجوع، فانكسر قلبي ودمعت عيني وذهلت عن الغرض الذي خرجت من أجله، وعلى الفور ذهبتُ إلى السوق فاشتريت لبناً وقنينة إرضاع الأطفال وأخذت أملأها باللبن وأرضع صغار الهرّة حتى شبعوا وهدأوا وناموا، ثم ذهبت في الصباح الباكر وكررت ذلك ،
وشعرت حينئذٍ أن شيئاً ما حصل في قلبي أحسست ببرده وسكينته وعندما جئت إلى البحث وجدت نفسي أفهم كل ما تلقونه وكأنني واظبت عليه منذ سنين، فتأثر الشيخ النائيني والحاضرون وأجهش بعضهم بالبكاء وقال (قده): إنّها معاملة مع الله، والله يقول: (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) (الأنفال/60).