وعلى الرغم من استمرار الحدود الفاصلة بين الكتل الانتخابية الرئيسية التي تعبر عن التعددية الحاكمة للمجتمع العراقي، إلا أن مرحلة ما قبل الانتخابات قد شهدت احتدامًا للتنافس بين القيادات والأحزاب السياسية، وتغيرًا في تركيبة التحالفات، خاصة عقب حسم الجدل حول تأجيل الانتخابات، من خلال ما قررته المحكمة الدستورية العليا، بإجراء الانتخابات في موعدها.
استحقاق سياسي فاصل
وأعلنت المفوضية المستقلة العليا للانتخابات، وهي الجهة المسؤولة عن إجراء الاقتراعات في العراق، عن انتهاء مدة تسجيل التحالفات الانتخابية يوم 18 جانفي المنقضي، كما صادقت على 27 تحالفًا انتخابيًّا.
وتتكون هذه التحالفات من 143 حزبًا سياسيًّا ستشارك في الانتخابات المحلية والوطنية المقبلة، ومن المنتظر أن تُعقد الانتخابات العراقية المقبلة في 12 ماي 2018.
فيما يتبقى عدد من الأحزاب السياسية التي لم تدخل في أي تحالف انتخابي، التي ستدخل الاستحقاق الانتخابي بشكل منفرد.
وبعد انتهاء تسجيل الكيانات الانتخابية دعت المفوضية القوى والأحزاب السياسية إلى تقديم قوائم مرشحيها للمفوضية خلال مدة زمنية لا تتجاوز يوم 10 فيفري القادم.
ويتمتع حوالي 24 مليون عراقي بحق التصويت في الانتخابات المقبلة بحسب مفوضية الانتخابات، ويتوزعون ما بين 18 دائرة انتخابية تعادل عدد الولايات العراقية، ويبلغ نصيب كل ولاية، ما بين 7 إلى 34 نائبًا، وفقًا للتعداد السكاني لكل ولاية، يُضاف إليها 8 مقاعد للأقليات، تتوزع بين 5 مقاعد للمسيحيين، ومقعد واحد لكل من الصابئة والإيزيديين والشبك، ليكون مجموع أعضاء مجلس النواب 328 نائبًا تمتد ولايتهم أربع سنوات، وسيكون الاقتراع من خلال تقنية إلكترونية جديدة، يهدف استخدامها إلى منع حالات التزوير.
وقد فتحت المفوضية مئات المراكز الانتخابية لتحديث سجلات الناخبين.
خريطة التحالفات الانتخابية
وأفرزت الخريطة الجديدة للتحالفات الانتخابية، تصل إلى نحو 27 تحالفًا انتخابيًّا، يتمثل أبرزها فيما يلي:
1 ــ تحالف النصر والإصلاح: يتزعم هذا التحالف رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وانضم لهذا التحالف عدد من القوى والشخصيات السياسية أهمها، كتلة "الفضيلة"، و"حركة مستقلون" التي يرأسها حسين الشهرستاني، و"تيار الإصلاح" برئاسة وزير الخارجية ابراهيم الجعفري، وكتلة "عطاء" برئاسة فالح الفياض، بالإضافة إلى قوى وشخصيات سياسية سنية من أبرزها وزير الدفاع السابق خالد العبيدي الذي يتزعم حركة "بيارق الخير"، و"معاهدون" بزعامة رئيس الوقف السني عبد اللطيف الهميم، و"الوفاء" تحت رئاسة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، وقد كان هذا التحالف يضم "تيار الحكمة" بقيادة عمار الحكيم بيد أنه انسحب من هذا التحالف.
2 ــ ائتلاف دولة القانون: يأتي نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء السابق، نوري المالكي على رأس هذا الائتلاف، كما انضم لهذا الائتلاف عدد من الحركات والقوى والشخصيات السياسية منها، "تيار الوسط" برئاسة موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي السابق، و"حركة البشائر الشبابية" بزعامة ياسر عبد صخيل المالكي، وحزب "دعاة الإسلام - تنظيم العراق" ويترأسه خضير الخزاعي، نائب رئيس الجمهورية العراقي السابق، و"حركة النور - الانتفاضة والتغيير" بزعامة محمد الهنداوي العضو في مجلس النواب العراقي، و"كتلة معًا للقانون" برئاسة محمد جعاز، و"الحزب المدني" بزعامة رجل الأعمال حمد الموسوي، بالإضافة إلى "التيار الثقافي الوطني" الذي يترأسه علي وتوت.
3 ــ تحالف الفتح: يتكون هذا التحالف من الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة، وقد أعلن ممثلو هذا التحالف استقالاتهم من العمل في "هيئة الحشد الشعبي"، ويترأس هذا التحالف هادي العامري رئيس "منظمة بدر"، ومن أبرز القوى السياسية المشاركة فيه: منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، والمجلس الإسلامي الأعلى، وحركة الوفاء والتغيير، وحزب الله العراقي، وحركة 15 شعبان، وكتائب الإمام علي، بالإضافة إلى بعض الفصائل التابعة للطائفة الإيزيدية..
4 ــ تحالف "سائرون للإصلاح": يعد "حزب الاستقامة" الذي يمثل التيار الصدري بزعامة "مقتدى الصدر" من أبرز الأحزاب المشاركة في هذا التحالف، ويشاركه في هذا التحالف "الحزب الشيوعي العراقي"، و"حزب الدولة العادلة"، و"الشباب للتغيير"، وبعض الأحزاب الأخرى. 5 ــ ائتلاف الوطنية: يشارك في هذا الائتلاف نائب رئيس الجمهورية، إياد علاوي، ورئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، الذي أسس حزب "التجمع المدني للإصلاح"، ورئيس "ائتلاف العربية"، صالح المطلك، وعدد من الشخصيات والقوى السياسية الأخرى.
ويُنظر لهذا التحالف كمتجاوز للطائفية لتنوع واختلاف القوى والشخصيات المنتمية له.
6 ــ تحالف القرار العراقي: يتولى أسامة النجيفي، رئيس البرلمان السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي، رئاسة هذا التحالف، بالتعاون مع رجل الأعمال خميس الخنجر، الذي يتزعم "حركة المشروع العربي"، بالإضافة إلى وزير التخطيط سلمان الجميلي، وشخصيات سنية أخرى.
7 ــ تحالف الوطن: يضم حركة الديمقراطية والعدالة برئاسة برهم محمد صالح، وحركة التغيير والجماعة الإسلامية، ومن المتوقع أن يخوض هذا التحالف الانتخابات في كركوك والمناطق المتنازع عليها.
8 ــ تحالف الرافدين: يتكون من قوى وحركات سياسية مسيحية وآشورية وكلدانية، تهدف لأن تقوم بتمثيل المسيحيين في محافظات بغداد ونينوى وكركوك. تفكك التحالفات الانتخابية: وشهدت التحالفات الانتخابية عدة انشقاقات، نتيجة للخلافات التي حدثت بين الأحزاب والقوى السياسية داخل هذه التحالفات، وزيادة حدة المنافسة السياسية بشكل كبير.
فعلى سبيل المثال، لم يقم حزب الدعوة الإسلامية بالمشاركة في الانتخابات، بيد أنه سمح لأعضائه بالمشاركة بصفتهم الشخصية وليست الحزبية، وقام بتشكيل لجنة لمراقبة الانتخابات، وذلك بعد تصاعد التنافس السياسي بين أعضاء الحزب نفسه، إلى درجة أن أبرز تحالفين متنافسين في الانتخابات ينتمي قياداتهما إلى هذا الحزب، وهما: تحالف "ائتلاف دولة القانون" بقيادة زعيم الحزب نوري المالكي، و"تحالف النصر والإصلاح" برئاسة حيدر العبادي الذي يُعد أحد أبرز قيادات الحزب. ولم يتمكن الاتفاق على التحالف بين "النصر والإصلاح" بقيادة حيدر العبادي، و"تحالف الفتح" بزعامة هادي العامر، من الصمود سوى ساعات قليلة، حيث أعلن العامري، انسحاب تحالف الفتح لأسباب فنية على حد تعبيره.
كما شهد تحالف "النصر والإصلاح" انسحاب تيار "الحكمة" منه في 29 جانفي 2018.
ويُشير البعض إلى أن سبب الانسحاب يرجع إلى الخلافات على توزيع المناصب، وهو ما نفاه بعض المقربين من الطرفين، حيث أشاروا إلى أن سبب الانسحاب يرجع إلى حدوث خلافات حول تسلسل المرشحين وتوزيعهم الجغرافي.
ويسعى كل تحالف في الوقت الحالي لضم أكبر عدد من القوى والشخصيات السياسية المؤثرة إليه لتقويته وتعزيز موقفه في الانتخابات، ويتوقع أن يستمر التغير في خريطة التحالفات حتى بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، فقد يندمج تحالفا "حزب الدعوة الإسلامية"، كما أن العامل الطائفي والقومي لا يزال عاملًا مؤثرًا على طبيعة التحالفات الانتخابية، ولهذا من المتوقع اندماج القوى والأحزاب الكردية في تحالف واحد.
وتتزايد الاحتمالات بتصاعد الاختلافات في التحالفات الانتخابية في ظل وجود عدد كبير من الأحزاب والحركات السياسية التي تتسم بالشخصانية، حيث تبدل مواقفها سريعًا وفقًا لما يمكن أن يتحقق من مكتسبات لقادتها.
جدل تأجيل الانتخابات
وطالبت بعض القوى السياسية بتأجيل الانتخابات لمدة 6 أشهر أو سنة، بدعوى عدم توفر الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات في المحافظات والمناطق السنية المحررة من سيطرة داعش، سيما وأن هناك العديد من هذهِ المناطق لم يتمكن سكانها من العودة إليها، وهو ما يُفقد هذه القوى أصوات مؤيديها التقليديين.
وبعد عدم الموافقة على قرار التأجيل، طالبت هذه القوى بتأجيل انتخابات المحافظات المحررة من "داعش"، حتى إعادة إعمارها وعودة سكانها، ويدعم هذا المطلب بشكل خاص القوى والأحزاب السياسية الكردية.
في المقابل، يتحفظ رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، وعدد من القوى السياسية الشيعية على هذا المطلب، خاصة وأنهم يرغبون في الاستفادة من شعبيتهم بعد هزيمة "داعش" واستعادة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم منذ 2014، وإدارة أزمة انفصال كردستان بنجاح، وفتح ملف محاربة الفساد. ختامًا، يُرجَّح أن تستمر التحولات في المشهد السياسي العراقي بتغير خريطة التحالفات الانتخابية في ظل استمرار الخلافات بين القيادات السياسية والأحزاب والتيارات الرئيسية، وسعي كل منهم لحسم الأغلبية الانتخابية لصالحه، والتغلب على خصومه السياسيين، والانفراد بتمثيل الكُتل الرئيسية المُكوِّنة للمجتمع العراقي.
المصدر: المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة