التواضع والأخوّة والودّ عند علمائنا
كان قبل أكثر من مئتي عام يعيش في النجف الأشرف عالمان جليلان هما السيد مهدي بحر العلوم والشيخ مهدي النراقي. وكانا زميلي دراسة ثم تفرّقا وأصبح كلّ منهما مرجعاً للتقليد، إذ بقي السيد بحر العلوم في النجف فيما ذهب الشيخ النراقي إلى كاشان. وكانت بينهما رسائل متبادلة؛ فكتب الشيخ النراقي للسيد بحر العلوم مرة ـ ما معناه ـ: إنكم تعيشون على ضفاف بحر علوم أميرالمؤمنين صلوات الله عليه وفي جواره فلا تنسونا واذكرونا عنده، خاصة عندما ترتشفون وتنهلون وتغترفون من بحر علمه؛ كما جاء ذلك في أبيات كتبها له يقول فيها:
أَلاَ قُل لسكّان أهل الغريّ..... إلى آخر الأبيات.
فكتب السيد بحر العلوم في جوابه:
من شاهد غائب إلى غائب شاهد...
أي إنكم وإن كنتم غائبين بأبدانكم إلاّ أن أرواحكم حاضرة هنا، أما نحن فأرواحنا غائبة وإن كنّا حاضرين بأبداننا.
هذه القصة على صغرها لها دلالة عظيمة وعبرة لاسيما لأهل العلم سواء في النجف وكربلاء أو الكاظمية وسامراء أو المدن الأخرى كمشهد وقم.
فالشيخ النراقي يقول للسيد بحر العلوم: إنكم تعيشون في النجف الأشرف وإلى جوار أمير المومنين صلوات الله عليه، وهذه مكانة لا تثمّن.
ولكن انظر إلى جواب السيد بحر العلوم وأدبه وودّه وإخلاصه. فهو يقول: إنك وإن كنت بعيداً عن النجف بجسمك ولكنك قريب منها بروحك؛ فما فائدة أن يكون الجسم قريباً والروح بعيدة.
والعبرة الموجودة في هذه القصة هي روح الودّ والأخوّة الصادقة رغم بعد المسافات والفترة الزمنية، وربما الاختلاف في كثير من الخصوصيات. فليس من الضرورة أن يكون هذان المجتهدان متفقين في كل شيء فربّ أمور كثيرة يختلفان فيها، ولكن نلاحظ مع ذلك أن كلاًّ منهما يتواضع للآخر ويوادّه ويخلصه القول.