طلعتَ على الدّنيا حساماً مهنَّدا *** فعاشتكَ حيناً ثم عاشتْ على الصدى
ولستَ ببانٍ بالحجارةِ مَعبداً *** إذا لم تشيِّد بالجوانحِ مَعبدا
جثا الدَّهرُ في أَعتابِكَ الشمِّ راكعاً *** ولا غروَ أنّ الظَّهرَ أَثقله النّدى
وضعتُ لمعناكَ الحروفَ فلمْ تُطقْ *** جلاءَك فاستجليتُ معنىً مجرَّدا
فعشتَ بذهني صورةٌ لا أرى لها *** بمحدودةِ الأَلفاظِ أَن تتقيّدا
تمجَّدَ قومٌ بالخلودِ وإنّني *** رأَيتُ بمعناكَ الخلودَ مخلّدا
لقد أَخذتْ منكَ الدّوائرُ شكلها *** فليسَ لمرآها انتهاءٌ ولا ابتدا
ويولدُ من يفنى وأَنتَ تأصّلٌ *** فما متَّ يوماً كي نحدّك مولدا
حسينٌ وربَّ اسمٍ إذا ما لفظتُه *** يرنّ بسمعِ الدّهرِ مهما ترددا
كمثلِ شعاعِ الشمسِ ما اخلولقتْ له *** بيومٍ معانٍ كي يقالَ: تجدَّدا
أَفاقَ عليه الدَّهرُ يوماً فراعَه *** طرازٌ تعدّى سنخَه وتفرَّدا
فيا خامساً من خمسةٍ إن رأيتَهم *** رأيتَ بهم في كلِّ وجهٍ محمّدا
حديثُ الكسا ترنيمةُ الحقِّ فيهمُ *** روى الذّكرُ فيها الاحتفاءَ وغرّدا
سما فلكٌ تُنمى إليهِ فلمْ يكن *** لينجبها إلا شموساً وفرقدا
أَيا مطعمَ الدّنيا بغمرةِ جوعِها *** ترائبَ ما أطبقنَ إلّا على الهُدى
أَعدَّتْ بكَ الأَيامُ زاداً لفقرِها *** إذا جاعَ دهرٌ أمَّه فتزوَّدا
وأَلفتْ بكَ الدنيا الكمالَ لنقصِها *** فأَشبعْتَها عزماً وحزماً وسُؤددا
وواجهتَ حتى قاتليكَ برحمةٍ *** تفجّرَ بالصّمّاء نبعاً مُصرَّدا
وقلبٍ يعيرُ الرمحَ عطفاً وإن قسا *** وأَكثرَ فيه الطّعنُ حتى تقدَّدا
وتلكَ سماتُ الأَنبياءِ تسامحٌ *** وروحٌ يُفيضُ الحبَّ حتى على العِدا
أيا واهباً أعطى الحياةَ بنهجِهِ *** إذا لزَّها الإِعناتُ نهجاً مُسدَّدا
وعلَّمنا أَنَّ الفداءَ فريضةٌ *** إذا افتقرَ العيشُ الكريمُ إلى الفدا
لمحتُ رسومَ المجدِ بيضاءَ حرةً *** على كلِّ عضوٍ منكَ قطِّع بالمُدى
فأَكبرتُ فيكَ الدَّم اسرجَ شُعلةً *** بقلبِ ظلامِ الليلِ حتى تبَدَّدا
ومجّدتُ جرحاً في جبينكَ شامخاً *** يهزُّ الجباهَ الخانعاتِ لتصعدا
ويا ربواتُ الطَّفِّ أَلفُ تحيّةٍ *** لأَيَّامِ عاشوراء تختالُ خُرَّدا
ورعياً ليومٍ كلَّما طالَ عهدُه *** أَراهُ بما أَعطى يعودُ كما بدا
أحمد الوائلي