من كلمات الإمام الخامنئي في أربعينية الإمام الحسين (ع) (القسم الثالث)

السبت 4 نوفمبر 2017 - 08:33 بتوقيت غرينتش
من كلمات الإمام الخامنئي في أربعينية الإمام الحسين (ع) (القسم الثالث)

نهج القائد - الكوثر

4 - الجاذبة المغناطيسية الحسينية بدأت من يوم الأربعين

سواء عاد أهل بيت الرسول (ص) في يوم الأربعين إلى كربلاء ـ حيث روى ذلك البعض ـ أم لم يعودوا، فليس هناك شكّ في أنّ جابر بن عبد الله الأنصاري قد طوى بمرافقة أحد كبار التابعين ـ الذي كان يسميه البعض عطية والبعض الآخر عطاءً، ويحتمل أنّه عطية بن حارث الكوفي الهمداني، وعلى كل حال هو أحد كبار التابعين الساكنين في مدينة الكوفة ـ الطريق وحلّا عند القبر الطاهر لشهيد كربلاء.

إنّ بداية الجاذبة المغناطيسية الحسينية، بدأت من يوم الأربعين، وإنّ القوة الجاذبة التي دفعت جابر بن عبد الله الأنصاري على مغادرة المدينة والتوجّه نحو كربلاء، هي نفس الجاذبة الموجودة في قلوبنا على مرّ القرون المتمادية.

وإنّ لأربعينية الإمام الحسين عليه السلام دور تعرّفَ من خلاله بعض الأفراد على مقام أهل البيت عليهم السلام، فأصبحت قلوبهم تنبض بمحبة وعشق كربلاء، بالإضافة إلى تعلقهم بالتربة الحسينية والمرقد الطاهر لسيد الشهداء عليه السلام.

إنّ جابر بن عبد الله الأنصاري يُعدّ من مجاهدي صدر الإسلام الأول، ومن أصحاب بدر، وقد كان إلى جانب الرسول (ص) وجاهد معه قبل ولادة الإمام الحسين عليه السلام؛ أي أنه رأى بعينه ولادته ونشأته.

ومن المسلّم أنّ جابر بن عبد الله قد رأى الرسول الأعظم (ص) لمرّات عديدة وهو يضمّ الحسين بن علي عليه السلام إلى صدره، ويقبّله في عينيه وعلى وجهه، ويُغذّيه الطعام والشراب بيده الشريفة، فأغلب الظنّ أنّ جابر بن عبد الله رأى ذلك بأم عينه.

ومما لاشكّ فيه أنَّ جابر بن عبد الله قد سمع الرسول (ص) وهو يقول: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. "وكذلك بعد وفاة الرسول (ص) بقيت مكانة الإمام الحسين عليه السلام وشخصيته ـ سواءً في زمان الخلفاء أو في زمان أمير المؤمنين عليه السلام، في المدينة المنورة أو في الكوفة ـ ماثلة أمام عيني جابر بن عبد الله الأنصاري.

وعندما سمع جابر أنّ الحسين بن علي عليه السلام عزيز الرسول (ص) قد استشهد، وقُتل عطشاناً، انطلق من المدينة، وعند وصوله إلى الكوفة رافقه عطيّة، وقد روى ذلك، قائلاً:

وصل جابر بن عبد الله إلى شط الفرات، واغتسل فيه، ثم ارتدى ثياباً بيضاء نظيفةً، وتوجّه نحو قبر الإمام الحسين عليه السلام ماشياً بكل وقار وسكينة.

إنّ الرواية التي رأيتها تقول أنه عندما وصل جابر إلى القبر قال ثلاثاً بصوت عال: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر"؛ أي أنه أخذ بالتكبير عندما علم كيف استشهد عزيز الرسول (ص) وعزيز الزهراء عليها السلام مظلوماً على أيدي الطغاة وعبدة الشهوات.

ثم قال عطيّة: ولقد فَقَدَ جابر بن عبد الله صوابه عند قبر الإمام الحسين عليه السلام، وأغمي عليه وسقط إلى الأرض. لا نعلم ما الذي جرى بعد ذلك إلا أنه يقول في هذه الرواية: عندما عاد جابر إلى وعيه، أخذ بمخاطبة الإمام الحسين عليه السلام قائلاً: "السلام عليكم يا آل الله، السلام عليكم يا صفوة الله."

أيها الحسين المظلوم.. أيها الحسين الشهيد..

نحن اليوم أيضاً نقول من أعماق وجودنا: "السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام على الحسين الشهيد".

فلقد جعلت شهادتك وجهادك وثباتك الإسلام متألّقاً، وأحْيَت الدين المحمدي الأصيل، ولولا شهادتك لم يبق للدين من أثر.

إن قلوبنا اليوم مشتاقة أيضاً إلى الحسين بن علي عليه السلام، ولمرقده وقبره الطاهر، ومهما بَعُدت الشقّة، فسوف نبقى نتحدث عن ذكرى الحسين بن علي عليه السلام ومحبته.

لقد قطعنا عهداً على أنفسنا، وسنبقى على هذا العهد، بأن لا نترك ذكر الحسين واسمه ومسيرته في حياتنا أبداً، وهذه هي مشاعر كافة أفراد شعبنا وشيعة العالم بأجمعهم تجاه الإمام الحسين بن علي عليه السلام، بل هو شعور جميع الأحرار في كافة أنحاء العالم.

5 -   تثبيت سنة الزيارة وإحياء ذكرى كربلاء في الأربعين

من أين تأتي أهمية الأربعين؟ ما هي خصوصية مرور أربعين يوما؟ إن خصوصية الأربعين هو إحياء ذكرى شهادة الحسين عليه السلام وهذا الأمر بالغ الأهمية. إفرضوا أنه حصلت هذه الشهادة العظيمة في التاريخ، أي استشهاد الحسين بن علي وبقية شهداء كربلاء؛ لكن بني أمية - مثلما أنهم في ذلك اليوم قتلوا الحسين بن علي وأصحابه وأزالوهم واخفوا أجسادهم المطهرة تحت التراب- استطاعوا أيضا محو ذكراهم من أذهان جيل الناس في ذلك اليوم وفي الأيام اللاحقة، فما هي فائدة هذه الشهادة بالنسبة للعالم الإسلامي؟! أو إذا ما تركت أثرا في ذلك اليوم، فهل سيكون لهذه الذكرى بالنسبة للأجيال الآتية أثر مبيِّناً وفاضحاً للظلمات والظلم والآلام والمرارات وفاضحا لليزيديين في حقب التاريخ التي ستلي؟ إذا ما استشهد الإمام الحسين عليه السلام، ولم يفهم أهل ذلك اليوم والناس والأجيال الآتية انه استشهد، فما هو الأثر والدور الذي يمكن أن تتركه هذه الخاطرة في رشد وبناء وتوجيه وحث الشعوب وتحريك المجتمعات والتاريخ؟ تعرفون انه لن يكون لها اثر.

نعم، يصل الإمام الحسين عليه السلام بشهادته إلى أعلى عليين؛ شهداء لا يعرفهم احد وقد مضوا في الغربة وطواهم الصمت والسكوت، هم سيصلون إلى أجرهم في الآخرة ، وستنال أرواحهم الفتح والرحمة في المحضر الإلهي، لكن كم ستكون درسا وأسوة؟؟

فإلى أي حد يصبح الشهداء أسوة؟ تصبح سيرة ذلك الشهيد درسا عندما تعرف وتسمع الأجيال المعاصرة والآتية بمظلوميته وشهادته. يصبح ذلك الشهيد أسوة ودرساً عندما يفور دمه ويصبح سيالاً في التاريخ. يمكن لمظلومية أمة أن تبلسم جرح جسد مظلوم وترفع السياط عن امة وتداوي جراحها، وعندما يتسنى لهذه المظلومية أن تنادي وتصدح، وان تصل هذه المظلومية إلى مسامع الناس الآخرين؛ ولهذا السبب فإن مستكبري العصر الحاضر يصدحون ويرفعون أصواتهم تترى حتى لا يرتفع صوتنا؛ ومن أجل ذلك هم حاضرون لصرف الأموال الطائلة حتى لا تفهم شعوب العالم لماذا كانت الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية، وما هي الدوافع والأسباب والأيدي المحرّكة لها.

في ذلك اليوم كانت الأجهزة الاستكبارية على استعداد لبذل كل ما لديها حتى لا يبقى ولا يعرف اسم الحسين ودم الحسين وشهادة عاشوراء كدرس لناس ذلك الزمان وللشعوب التي ستأتي فيما بعد. بالتأكيد هم في بداية الأمر ما فهموا قيمة هذه المسالة وكم هي عظيمة، لكن مع مرور الوقت عرفوا ذلك. حتى أنهم في أواسط العهد العباسي دمّروا قبر الحسين بن علي عليه السلام واجروا الماء عليه وأرادوا أن لا يبقى اثر له.

وهذا هو دور ذكرى الشهداء والشهادة. فالشهادة من دون خاطرة وذكرى ومن دون غليان دماء الشهيد لا تبث أثرها، والأربعين هو ذلك اليوم الذي بدا فيه رفع علم رسالة شهادة كربلاء عاليا ويوم ورثة الشهداء. وهنا، سواء قدِمت عائلة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى كربلاء في الأربعين الأول أم لم تأتِ.

أما الأربعون الأول فهو اليوم الذي جاء فيه الزوار العارفون بالإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء للمرة الأولى. فقد جاء إلى هناك جابر بن عبد الله الأنصاري، عطية، وهما من صحابة النبي صلّى الله عليه وآله وحواريي أمير المؤمنين عليهم السلام. وكما جاء في الأخبار والروايات أن جابرا كان كفيفا واخذ عطية بيده ووضعها على قبر الحسين. لمس القبر وبكى وتكلم مع الحسين عليه السلام. فبمجيئه وكلامه قد أحيا ذكرى الحسين بن علي عليه السلام، وثّبت سنة الزيارة قبر الشهداء. إن يوم الأربعين على هذا القدر من الأهمية. فيوم الأربعين هو:

- حركة امتداد عاشوراء.

- بداية تفجّر ينابيع المحبة الحسينية.

- بداية الاجتذاب الحسيني للقلوب.

- ويوم الصمود في مواجهة الاستكبار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين