بقلم يسري الغول *
كنت في زيارة إلى ألمانيا في حينه، وكنت أذهب بين الفينة والأخرى للتسوق من المحال التجارية هناك، بعد الانتهاء من تدريباتي المكثفة. أشتري ما أريد فيبادلني الباعة الابتسامة وهم يقولون: “دنكشن” ثم أمضي. ليلتها سألت أحد الأصدقاء عن معنى تلك الكلمة فأخبرني أنها تعني “شكراً”، أي شكراً لأنك تشتري منا، ثم تعلمت أن أرد بـ”بيتشن” أي عفواً.
ثقافة الشكر تكاد تكون غائبة عن مجتمعنا بشكل كبير، حتى باتت تطرب لها الأُذن من خلال الأجهزة اللوحية للمؤسسات كالبصمة والصراف الآلي. فهل عجزت ألسنتنا أن تقول تلك الكلمة؟ هل يعتقد المجتمع أنه سيصبح أقل تقديراً حين يشكر أفراده بعضهم بعضاً، وقد قال رسولنا الكريم: من لا يشكر الناس لا يشكر الله. بالتأكيد لا، لكن المجتمع انشغل عن تلك اللغة بسبب ظروف وأحوال وضغوطات وتشنجات كثيرة حاقت به، فصار من الواجب أن يعود اللسان للهَدي الإنساني الكريم. فالتقدير يمنح المجتمع بلسماً شافياً من الضغائن والكراهية، ويبث في ردهات المدينة عطر المحبة والابتسامات العابرة.
أما على صعيد الإعلام الاجتماعي والدردشات التي تحدث بين كثيرين عبر هذا العالم الافتراضي، فقد عجزت تلك العوالم عن تدريب كثيرين لغة الشكر والصباحات أو المساءات الجميلة، حيث يختتم كثيرون حديثهم مع الطرف الآخر بإشارة “لايك” صماء، يردون على دعوة بلايك، يجيبون عن سؤال بلايك، تلك اللايك التي لا تغني ولا تسمن من جوع، مما يعني العجز الثقافي والأدبي عن الشكر أو الدعاء بليلة وأحلام سعيدة. فهل نحن عاجزون عن التلفظ بالكلمات الجميلة؟! هل نحن عاجزون عن ممارسة “الكلمة الطيبة”؟!
تخيلوا معي كيف سيكون حال الطفل حين نقول له شكراً بعد أن ينجز من نطلبه منه؟! كيف سيكون حال الزوجة حين نمنحها قبلة أو وردة أو هدية تليق بجهودها طوال الوقت من أجلنا وأبنائنا؟! كيف سيكون حال العامل حين نقدم له كأساً من الشاي أو فنجاناً من القهوة بابتسامة وكلمة طيبة؟! كيف سيكون حال الآخرين حين نسألهم فيجيبون عن تساؤلاتنا في أمور تخصنا؟!
المصدر : موقع الكاتب