السياسة من ابن تيمية والوهابية إلى الإرهاب

السبت 14 أكتوبر 2017 - 10:15 بتوقيت غرينتش
السياسة من ابن تيمية والوهابية إلى الإرهاب

مقالات - الكوثر

ما يدفعنى إلى ضم الشيخين فى مقالات واحدة، مع الفارق الزمنى بينهما (ابن تيمية «وُلد عام 661 هجرية» ومحمد بن عبدالوهاب «وُلد عام 1115 هجرية») أربعة أمور، الأمر الأول: اتفاقهما حول كثير من القضايا التى كان لها تأثير كبير فى تنامى فكر المغالاة والتطرف منذ قرون حتى الآن، ولم تُتح لفرق أو مذاهب مثلهما، الغريب ليس فى الكثرة العددية التى تؤمن بالمغالاة والتشدد، لكن بمدى ما تؤثر فى عقل المسلم، ومحيط النفوذ الذى يسيطر عليه من الضرر أو الفائدة، فقنبلة يدوية بدائية الصنع تُغنى فى تدميرها عن مئات البشر. ومما اتفقا عليه إطلاق الشرك والكفر والردة على مَن يخالفهما الرأى. وتقسيمهما المجتمعات إلى مجتمعات كافرة ومجتمعات مؤمنة. وإعلاؤهما فرض الجهاد درجة أعلى من أركان الإسلام. وتفريقهما بين الجهاد «المكى»، الذى يعتمد على السلام والحسنى والحكمة، والجهاد «المدنى»، الذى يعتمد على اليد والسيف، وأن الثانى قد نسخ الأول. وتصنيفهما الجهاد إلى جهاد «الطلب»، وهو فرض كفاية، وجهاد «الدفع»، وهو فرض عين، والجهاد قائم وواجب على المسلم بوجود الكفر، وهو علة استمراره. وأفتيا بوجوب قتال أى طائفة ممتنعة عن شرائع الإسلام، وأولهم المسلمون الممتنعون أنفسهم. لكن الفرق بين الاثنين أن ابن تيمية لم يكن يملك سوى الفتوى فقط، ولم يكن يملك القدرة على التنفيذ التى يمتلكها ابن عبدالوهاب، لأن القوة وأدواتها كانت فى يديه، فكان يأمر بالحبس والقتل، وتنفذه قوة الحكم السعودى دون مراجعة أو نقض.

الأمر الثانى: أن محمد بن عبدالوهاب إليه يرجع الفضل فى إحياء فكر ابن تيمية، الذى اندثر بعد موته فى سجن القلعة بسوريا، بعد كتابه الشهير (عدم جواز شد الرحال إلى قبر الرسول).

الأمر الثالث: أن الشيخين كانت الظروف المحيطة بهما واحدة، فابن تيمية وُلد فى عهد المماليك، وهو عصر الانحطاط الفكرى والبدع ومظاهر الشرك والتفسخ الاجتماعى وانتشار الفقر والجهل والمرض جراء غزو التتار للبلاد، ولم يجد المشايخ كالمعتاد منهم سببا لهذا سوى مخاصمة الناس شرع الله، وابتعادهم عن منهجه ونواهيه وأوامره، وهذا المصير الذى آلت إليه أمور البلاد والعباد هو غضب من الله، دون بحث عن الأسباب الحقيقية والعلمية وراء ذلك. ولم يجد العامة سوى القبول والإذعان لهذه المبالغة وهذا الغلو والإسراف فى الفتوى من مشايخهم ملاذا ومخرجا ونجاة مما يعانونه، ولم يخرجوا منه مع فداحة الثمن الذى دفعوه، ولم نخرج منه أيضا، وخرج منه الكفرة والملاعين!! ولم تكن الجزيرة حين نشأ الفكر الوهابى أقل حظا مما كانت عليه البلاد فى عصر المماليك.

الأمر الرابع: الاحتضان السياسى، وكان عاملا قويا فى نمو فكرهما، فقد كان لتشجيع سلاطين المماليك لابن تيمية (السلطان الناصر محمد بن قلاوون) العامل الرئيسى فى بلوغ أفكاره هذا المبلغ، خصوصا مجموعة الفتاوى حول الكفر والكافر لاستخدامها فى طرد التتار الكفار، كما كان تشجيع آل سعود (الدولة السعودية الأولى- القرن السابع عشر) للسيطرة على الجزيرة العربية السبب الرئيسى فى إطلاق الفكر الوهابى دون قيد، وتقاسمهما معا الدين والسياسة، وغنائم السطو وغزو عباد الله، وذلك لتثبيت حكم آل سعود.

قلنا من قبل عن «حشوية الحنابلة»، وهى جماعة خارجة عن المذهب الحنبلى. قررت هذه الجماعة الأخذ بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، حتى الإسرائيليات منها، واعتبرتها أفضل من الاجتهاد والقياس، بل لم تأخذ بها فى الغيبيات فقط، بل فى العقائد أيضا، وقد أيدهم ووافقهم ابن تيمية وسار على نهجهم. كانت البداية تحريمه زيارة القبور والتوسل بالرسول والأولياء، ورفضه الشفاعة بالنبى، وإنكاره المذاهب الأربعة فى الفقه، وسار على نهجه تلميذه، ابن القيم الجوزية، ومن بعده إمام الوهابية، محمد بن عبدالوهاب، واتفقوا حول فكرة التجسيم، وهى من الإسرائيليات الموضوعة (أن الله قد خلق الإنسان على صورته) وعلى هيئته وعلى صفاته، وأن لله صفات خلقه، فله يدان ورجلان وعينان كالإنسان، وله استواء وجلوس على العرش، ويصعد إلى السماء العُلا ويهبط إلى الأرض، ويبسط ويطوى الكون بيديه، كما يصافح خلق الله بهما، وكان ابن تيمية ينزل من على المنبر ويقول لتلاميذه: إن الله ينزل كما أنزل، ويهبط كما أهبط، ويمشى كما أمشى، ونقابله ونصافحه فى الأسواق كما أمشى وأصافحكم. لم يقف الأمر عند هذا فقط، بل اتهموا مَن يخالفونهم فى فكرة «التجسيم» بالضلال والكفر، واعتبروهم «مُعطِّلة» أو «جهمية»، وهم الذين يُعطلون صفات الله. وحول فتاوى ابن تيمية عن الآخر «الكافر»، نوجز البعض منها، وهى أساس الفكر الوهابى والسلفى حتى تاريخنا.

أولا: تعريف الكافر عند ابن تيمية، وهو كذلك عند الوهابية والسلفية، ونلقى عليه الضوء، لأنه اللبنة الأولى التى بُنى عليها الفكر المتطرف: (الكافر كل مَن لم يؤمن بالرسالة المحمدية، سواء بلغته الرسالة أو لم تبلغه، وسواء كذَّب بها وأنكرها أو لم يُكذب بها ولم ينكرها، وسواء أعرض عنها أو شك فيها أو تردد عنها، كل هؤلاء تسرى عليهم أحكام الكافر فى الدنيا «فيما هو قادم»، أما عن الآخرة فلهم جميعا عذاب عظيم، عدا الذى لم تبلغه الرسالة «الغافل الغفلة المطلقة»)

*عادل نعمان

المصدر : المصري اليوم