الشهادة تعني: الحضور، والإبصار، والإخبار، والشهود، والصدق، والأمانة، والوعي للشخص الذي تتطلع إليه العيون، وهي تعني أخيراً: القدوة والنموذج.
الشهادة في قاموسنا ليست حادثاً دامياً منغصاً كما هي عند بعض الأمم في تاريخها، مجرد تضحية يقدم عليها أحد الأبطال إذ يُقتل بيد عدوه في ساحة القتال؛ فيكون موته مبعث ألم ويكون اسمه "شهيداً" وموته "شهادة"!
لا!! الشهادة في معارفنا ليست موتاً يفرضه العدو على (المجاهد) بل الشهادة اختيار واعٍ يقدم عليه المجاهد بكل طواعية ووعي وإدراك ويختاره بدافع ذاتي بعيد!
ذاك هو الحسين، فيه وبموقفه تمثلت الشهادة وتمثل الشهيد!!
لقد ترك مدينته وخرج من بيته نافضاً يديه من الحياة مختاراً الموت حيث كان لا يملك في مواجهة عدوه سوى هذا السلاح العظيم، الموت. وبهذا السلاح واجه العدو وفضحه وهتك أقنعته، وهو إن لم يكن في مقدوره قهر العدو وهزيمته في ساحة القتال، ففي مقدوره، عبر الموت، أن يفضح هذا العدو. إنه كإنسان أعزل، وحيد، وفي نفس الوقت مدرك لمسؤوليته، لم يكن يملك إلا سلاحه الواحد: تلك الموتة الحمراء!
إن "حسينيته" تضعه في موقع المسؤولية للنضال ضد كل أنواع الاضطهاد والإذلال. ولما لم يكن لديه من سلاح سوى وجوده فقد حمله على راحتيه وبرز به إلى مقتله، ثم بخطى واعية ثابتة دقيقة التنظيم كانت مسيرته إلى تلك الشهادة، وعقب كل مرحلة كان يقطعها وهو يحثّ السير إلى هدفه كان يشير ويوضح إلى أنصاره، أولئك الذين رافقوه ليموتوا معه، ثم إلى أهل بيته ـ الذين هم كل ما يمتلكه من الحياة ـ إلى هؤلاء جميعاً الذين جاء بهم ليضحي بهم على محراب الشهادة، كان يشير ويوضح معنى مسيرته ومغزى أهدافها ومعنى الموت الذي هو وهم، في الطريق الآن إليه!!
ولقد قال الحسين يوم ذاك كلمته وأدى دوره!!