لا شک أن المیرزا مهدي الاصفهاني قام بالبحوث الاصولیة التي لیس لها فائدة ایضاً ولم یکن له رغبة بحذفها ولكن من جانب آخر لم یذکر بحوثاً مثل حقیقة الشرعیة، والانسداد واستصحاب عدم الأزلي أو عدم النعتي وذلك بانها لم تکن منسجماً مع ترکیب نظریة المعرفة لدیه وکذلك لم یأت بمقولة الجمع بین الحکم الظاهري والواقعي.
خاص بالاجتهاد: سماحة الشیخ محمد بیاباني من الباحثين في مجال تعالیم أهل البیت- علیهم السلام- والمروجين لمدرسة التفکیک. وصل مجموع دراساته حول تعالیم أهل البیت علیهم السلام لحد الآن إلی خمسة عشرکتاباٌ.
هذا و بالالتفات الى أن ميرزا مهدي الاصفهاني ابتدع هيكلا جدیدا لعلم الاصول ولکن تلامیذه المباشرين أو لاتمذة تلاميذه لم یبادروا بمناقشة هذا الهيكل الجديد لعلم الاصول، يبدو أن التلاميذ بدل تعزیز مدرسته الاصولیة، حاولوا بمواصلة مبادئه العقیدیة و استنکار تفکیره الفلسفي. ولکن سماحته مع معرفة تامة بمباديء المیرزا، ازاح الستار عن خصائص مدرسته الاصولیة العمیقة و استکشف عن اختلافها مع هياكل الأخرى.
رجاء بینوا لنا الهيكل المقترح لعلم الاصول من ناحیة ميرزا مهدي الاصفهاني.
الشیخ بياباني: المحتويات الاصولیة التي في متناول ایدینا من میرزا الاصفهاني هی ما دونها الشیخ محمود حلبي واحد من التلاميذ الکبار للميرزا مهدي الاصفهاني. قام سماحة حلبي مع الكفاءة اللازمة في الفلسفة و الاصول بكتابة وتحرير دروس الميرزا في الاصول، و شهد ميرزا الراحل أيضا هذه التقريرات والكتابات. وفي هذا التحریر لا توجد بحوث الالفاظ و اکتفی ببحوث الحجیة و اصول العملیة و یمکن ان یقال ان هذه الدراسات ليست كاملة.
يعتبر هذا واحد من مراحل دروس الاصول للمیرزا الاصفهاني، و لکني اظن هذه المرحلة من الاصول لم يکن ياخذ بها المیرزا من بدایة الامر، بل حلبي الراحل شارک في دروسه متاخرا و في مراحل اخری.
و لم يصل الينا شيء من المرحلة الاولی لدروسه التي اُنجِزت في مشهد و بادر في خلاله بمناقشة آراء المحقق النائیني، کل ما درسه في هذه المرحلة ما سجَّله احد ولا وصل مکتوب من هذه الدروس لا من سماحته و لا من الآخرين، و بالتاکید ان کان موجودا ما کان بنحو یؤَثِّر بهیکل اصول النائیني و یُحوِّله الی هيكل جدید.
و لذلك اول تحریر یشاهد من الاصول للمیرزا الاصفهاني هو اصدار الشيخ حلبي، و في جانبه تدوینات اخری و معیب الی حد ما من الشیخ محمد حسن بروجردي،والشيخان کلاهما عرضا تقريراتهما لمیرزا الراحل و هو بادر بتعدیلها.
و الشيخ حلبي یسمی ما كتبه باسم اصول آل الرسول و کذلك المیرزا یسمّی منه بعنوان اصول آل الرسول، و شیئا فشیئا هذه الفکریات تبدلت ببدء التغییر في نسیج علم الاصول و تحولت الی رأي حدیث فیه.
و مکتوب آخر بایدینا من ميرزا مهدي الاصفهاني نفسه و نحن نعبِّرعنه بـ”اصول الوسیط “، هو إلى حد ما أكثر اكتمالا من مکتوبات اخری؛ و لکن من جانب آخر هو ملخص، و له حجم أقل، و ذُکِر فیه بحوث الالفاظ، البداء، الحجیة، واصول العملیه.
له كتاب آخر على الاصول “مصباح الهدی” أنه کُتِب بعد اصول الوسیط هو بحوثه النهائي. بحوث اخری التي ذکرت خلال تالیفاته و لها علاقة ما بالاصول هی “حجیة القرآن الكريم،” و هو موجود علی السواء في مدونات الشيخ حلبي و کذلك خلال رسالات نفسه.
و له مکتوبات اخری فيما يتعلق بالاصول و قواعد الفقهیة بصفة “المعاریض و التوریة”، في الواقع هو نوع من التحول في ساحة التعادل و التراجیح في مجال الروایات و یعرض لنا كيف يمكننا حل التعارض و التزاحم بين الروایات و ابرز هناک نظرية جديدة، وفقا لتلک النظرية، یسهل لنا حل النزاعات الموجودة بین الاحادیث.
وهناك عدد من الرسالات هي أيضا یعتبر بعنوان قائمة الاصول و استنسختها تلامیذه من مکتوباته و هي ملخص من مضمونها و استنتاجات جيدة على مبانیهم.
بعد هذه المقدمة، أقول: ليس لدينا دورة كاملة (من البداية إلى النهاية) من تقريرات تلامذة الميرزا، و لكن النقطة الرئيسية التي شاهدت في منظومة تفکیره حول الاصول هو اتصال خاص الذي یرید ترسیخه بین العقائد و الاصول و هذا معلوم من مکتوباته.
وله دورة من تعالیم القرآن و فیه یجعل معرفة الله و نظرية المعرفة غیر معرفة الله مثل حقيقة العلم، حقيقة العقل و طریقة اکتشاف العلم و العقل موضعا للبحث، و بجانبه یشیر الی مناقشات حول التصدیق و التصور و تعریف العلم بالتصور و کذلك یشیر الى مناقشات حول اتحاد العلم و العالم و المعلوم او اتحاد العقل والعاقل والمعقول، إضافة الى انه یشیر بان العقل مدرک للکلیات في نظام الفلسفة و المنطق.
و هو یفتح فصلا جديدا حول نظریة المعرفة، لقد تأثر “ميرزا جواد آقا” من هذه النقاشات فی «میزان المطالب» و هو یبحث فيه حول وجود الذهنی ثم یذکر المناقشات حوله و کذلك بطريقة ما يفسر نظریة المیرزا الراحل و یدعی ان الميرزا له رأي خاص حول نظرية المعرفة ومعدات المعرفة الإنسانية.
المیرزا الراحل يبدء بتعالیم القرآن ثم یبحث عن نظریة المعرفة و یتناول بموضوع التوحید و بجانبه یجعل موضوع البداء موردا للبحث تفصیلا و آخر الامر یصل بموضوع الاصول. وعندما هو يعطي أرقام الصفحات، یجعل فی المرحلة الاولی التعاليم القرآنية ثم یذکر اصول الوسیط و لکن رقم الصفحه هو نفس تعالیم القرآن. و الاستنساخات التي شاهدتها لم یجعل اصول الوسیط فیها شیئا مستقلا عن التعالیم القرآنیة.
و من هنا يفهم أن الفقاهة برایه مفهوم واسع، و الفقیه الذي ذکر في الروایات لم یتحدد معناه باحکام شرعی بل الفقیه او الفقه في الروایات معناه یشمل التعالیم العقیدیة و الاخلاقیة و الفقهیة علی السواء. الفقیه الكامل سیطلق على رجل يسیطر علی جميع هذه الفنون و العلوم.
و نتيجة لذلك نظامه الفكري في مجال الفقه و الاصول یختلف مقارنة عن الفقهاء الآخرین. في الواقع هو یرید ان یُثبّتَ تنسیقا بین الفقه و التوحید و کذلك بین الأحكام الفقهية و الولائیة لله تعالی و للأئمة الطاهرة عليهم السلام.
احد من بحوثه الهامة من حیث الترکیب و النسیج في مجال الاصول هو موضوع القطع، المیرزا الراحل یعتقد بان حجیة القطع لیست ذاتیا بل هو عقلائي؛ علی هذا الاساس یظهر نتیجته في مجال تقسیم الاحکام الی الظاهري و الواقعي و في الحقیقة هذا التقسیم من وجهة نظره معیب الی حدما.
و کذلك بحوثه في الامارات یفترق و في هناک الظنون و العلم و المعرفة مطروح للبحث بنحو آخر. و في موضوع نظام العقلائي و الفطري يرجع جمیع الامارات الی فطریات العقلائیه. نتیجة لذلك هذه الاحکام و الاوامر و کذلك الامارات جمیعها تجري في مجری النظام الفطري العقلایي؛ و لذلك لا یقبل الاستصحاب كاصل عملي، بل یتلقاه بصفة اصل عقلایي او امارة عقلائیه.
بل یعترف بعقلائیة حجیة الادلة في مورد خبر الواحد و السیرة و الاجماع و حتی القطع؛ و ذلك لان المشرع الحکیم في رأيه عین العلم و کنه الاشیاء له مشهود، و لذلك یستطیع ان یرفض القطع في موقف و یوافقه في موقف آخر، و أينما رفض المشرع حجیة الحجة المحتملة هي تفتقد حجیتها العقلائیة.
بالرغم من کل هذا، المیرزا الراحل لم یؤسس هيكلا متكاملا حتی یفسّر علی اساسه مبادئه الاصولیة، و لذلك ان قصدنا ان نکتب المباديء و التمهید لآرائه الاصولیة ینبغي ان نستکشفها من خلال مجموع الرسالات المتواجده له.
ما هي الفروق المبدئية بین البنائین: ای بناء المیرزا و الآخوند في الکفایة؟.
الشیخ بياباني: یمکن ان نقول المیرزا مهدي الاصفهاني لم يهدم البنیة تماما، بل يبدء من بحوث الالفاظ و یدارسه وفقا لرایه الخاص، بلا شک انه قام بالبحوث الاصولیة التي لیس لها فائدة ایضا و لم یکن له رغبة بحذفها و لكن من جانب آخر لم یذکر بحوثا مثل حقیقة الشرعیة، و الانسداد و استصحاب عدم الازلي او عدم النعتي و ذلك بانها لم تکن منسجما مع ترکیب نظریة المعرفة لدیه و کذلك لم یات بمقولة الجمع بین الحکم الظاهري و الواقعي.