هل تعرف من هو سيد البطحاء ورئيس مكة ؟

الإثنين 24 إبريل 2017 - 11:23 بتوقيت غرينتش
هل تعرف من هو سيد البطحاء ورئيس مكة ؟

حاز أبو طالب (عليه السّلام) شرف حماية الدعوة الإسلاميّة بعد أن تشرّف بكفالة رائدها محمّد (صلّى الله عليه وآله) يتيماً ويافعاً , ثمّ نبيّاً مرسلاً من ربّ العالمين إلى البشرية جمعاء .

 

من هو أبو طالب ؟

هو أبو طالب عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , ووالد الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) , وجعفر الطيار الشهيد (عليه السّلام) , وطالب وعقيل . وأبوه هو عبد المطلب جدّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لأبيه ، فهو ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .

اسمه : عبد مناف ، وقيل : عمران ، وقيل : شيبة

ألقابه : إنّ ألقاب أبي طالب (عليه السّلام) كثيرة , منها : شيخ الأبطح ، وسيد البطحاء ، ورئيس مكة .

ولد أبو طالب (عليه السّلام) في مكّة قبل ولادة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمس وثلاثين سنة , أي في سنة (535) للميلاد , في حجر والده عبد المطلب . وعبد المطلب أو شيبة الحمد ـ كما يلقّب ـ كان معروفاً بعلمه وحلمه وحكمته , ولقد (كان مفزع قريش في النوائب ، وملجأها في الاُمور ، فهو حكيم قريش وحليمها , وحاكمها وشريفها وسيّدها . ولقد أفصح التاريخ عن بلوغه الغاية في الحكمة وصفاء النفس ؛ ولذا رفض عبادة الأصنام , فوحّد الله سبحانه وتعالى) . ولمعرفة تفاصيل سيرة عبد المطلب يمكن للباحث والمتتبع أن يرجع إلى كتاب السيرة الحلبيّة أو كتاب بلوغ الأرب للآلوسي .

فعند هذا الأب نشأ أبو طالب ، وتربّى على الفضائل والمكارم والتوحيد ، بل ورث ـ دون إخوته ـ فضل ومقام ومركز أبيه وشخصيته .

ومن لطائف الدهر أنّ أبا طالب لم يكن ثرياً ولا غنياً , بل كان فقيراً ولا مال له ، علماً أنّ المال كان عصب الرياسة وشرطها الضروري ، ولكنّ أبا طالب استطاع بمواهبه وأخلاقه وفضائله أن يتجاوز هذا الشرط فيتملّك الجاه ، ويستوي على النفوس والمقام الكريم .

وينقل صاحب كتاب شيخ الأبطح أبو طالب عبارات للمؤرّخين , مثل قولهم : كان أبو طالب حاكم قريش وسيّدها , ومرجعها في الملمّات ، وإنّ السقاية كانت له , وإنّ الرفادة كانت له بعد أبيه , وإنّه سنّ القسامة في الجاهليّة , وحرّم الخمر على نفسه.

فأبو طلب إذاً عمّ النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وحاضنه وكافله قبل الإسلام ، ولقد ذكر أنه لمّا ظهرت إمارة وفاة عبد المطلب قال لأولاده : من يكفل محمّداً ؟ قالوا : هو أكيس منّا , فقل له يختار لنفسه . فقال عبد المطلب : يا محمّد , جدّك على جناح السفر إلى القيامة ، أي عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك ؟ فنظر (صلّى الله عليه وآله) في وجوههم وزحف إلى عند أبي طالب ، فقال عبد المطلب : يا أبا طالب ، إني قد عرفت ديانتك وأمانتك ، فكن له كما كنتُ له .

وتضيف فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها) ـ صاحبة الرواية ـ فتقول : فلما توفّي أخذه أبو طالب ، وكنت أخدمه , وكان يدعوني الاُم.

إسلام أبي طالب وإيمانه

لقد حاول الكثيرون إثبات إسلام أبي طالب وإيمانه برسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعدة وسائل ، وكان من بينها اختيار أقوال وأبيات من الشعر منسوبة إليه في مواقف عديدة تثبت هذا القول بالبرهان . كيف لا وإقرار العقلاء على أنفسهم حجّة ؟! وجرياً على سيرتهم نحاول اقتباس بعض الأقوال , ثمّ الأبيات الشعرية مع ذكر مناسباتها ؛ لنكشف مع هؤلاء حقيقة ليست بحاجة إلى اكتشاف .

أ ـ فمن أقواله :

• عندما أراد النبي (صلّى الله عليه وآله) إعلان الدعوة وإظهار أمر الإسلام جاء إلى العباس يطلب منه النصرة والشّدة ، فنصحه بأبي طالب ، فذهبا إليه , وكان ردّه : اخرج ؛ فإنك الرفيع كعباً , والمنيع حزباً ، والأعلى أباً . والله لا يسلقك لسان إلاّ سلقته ألسن حداد ، واجتذبته سيوف حداد . والله لتذلّن لك العرب البهم لحاضنها ‍, ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعاً , ولقد قال : إنّ من صلبي لنبيّاً ، لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به ، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به.

وعند الإعلان وأمام الملأ قال للنبي (صلّى الله عليه وآله) : قم يا سيدي وتكلّم بما تحب ، بلّغ رسالة ربّك ؛ فأنت الصادق الصدّيق.

• في جوابه لابنه الإمام علي (عليه السّلام) حين قال له : (( يا أبتِ , آمنت بالله وبرسول الله ، وصدّقته بما جاء به ، وصلّيت معه واتّبعته )) ، قال أبو طالب (عليه السّلام) : أما إنّه لا يدعوك إلاّ إلى خيرٍ ، فالزمه.

• ولعلّ أهم مقالة تدلّ على اهتمامه بحماية النبي (صلّى الله عليه وآله) والإسلام , بل على إسلامه وإيمانه ما ورد في وصيته حين قال : يا معشر قريش , وإني اُوصيكم بتعظيم هذه البنية (الكعبة) ؛ فإنّ فيها مرضاةً للرب ، وقواماً للمعاش ، وثباتاً للوطأة ... صلوا أرحامكم ولا تقطعوها ؛ فإنّ صلة الرحم منسأة في الأجل ، وزيادة في العدد .

واتركوا البغي والعقوق ؛ ففيهما هلكت القرون من قبلكم , وعليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة ؛ فإنّ فيهما محبة في الخاص , ومكرمة في العام . وإنّي اُوصيكم بمحمّد خيراً ؛ فإنه الأمين في قريش ، والصدّيق في العرب ، وهو الجامع لكلِّ ما أوصيتكم به , وقد جاءنا بأمرٍ قبِله الجنان ، وأنكره اللسان ؛ مخافة الشنآن .

وايم الله , كأني أنظر إلى صعاليك العرب , وأهل الأطراف , والمستضعفين من الناس وقد أجابوا دعوته ، وصدّقوا كلمته ، وعظّموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً ، ودورها خراباً ، وضعفاؤها أرباباً ، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ، وأصغت له فؤادها ، وأعطته قيادها ...

دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم , كونوا له ولاة , ولحزبه حماة . والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلاّ سعد . ولو كان لنفسي مدة , وفي أجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ، ولدافعت عنه الدواهي.

فهل أصرح من هذا إقراراً بالتوحيد والنبوّة ؟ خصوصاً في قوله : (لا يسلك سبيله أحد إلاّ رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلاّ سعد) . وإن كان هو لم يظهر كل ذلك علناً في حياته فقد ذكر في هذه الوصية أن أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) قد (قبله الجنان , وأنكره اللسان ؛ مخافة الشنآن) .

ب ـ ومن شعره :

• فمن ذلك قوله عن ولديه :

إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي       عنـد ملمّ الـزمـانِ والنـوبِ

لا تخذلا وانصرا ابن عمّكمـا       أخي لاُمّي  من بينـهم  وأبـي

والله لا أخـذل النبـيّ ولا       يخـذلـه مـن بنيّ ذو حسب

وهنا لا بدّ من الالتفات إلى أنّ أبا طالب قد ذكر علياً وجعفراً فقط من بين أبنائه ، والسّر أنهما وحدهما كانا قد أسلما من بين أولاده حتّى ذلك الحين . كما نرى أنه اعتراف منه صريح وإقرار بالنبوّة (لا أخذل النبي) .

• وقوله يهتف لأخيه الحمزة (عليه السّلام) :

فصبـراً أبا يعلى على ديـنِ أحمدٍ        وكـن مظهـراً للديـن وُفّقت صابرا

وحـطْ مـن أتى بالحقِّ من عند ربِّه        بصدقٍ وعـزمٍ لا تكن حمزُ كافـرا

فقـد سـرّني إذ قـلتَ إنك مؤمـنٌ        فكـن لرسول الله فـي الله ناصـرا

ونادِ قريشـاً بالذي قـد أتيتـه       جهاراً وقل ما كان أحمـدُ ساحرا

ا كان أحمـدُ ساحرا

 

وهنا اعتراف آخر صريح بإسلامه , ويظهر ذلك جلياً في قوله : (على دين أحمد ، وكن مظهراً للدين) ، ونهيه لحمزة : (لا تكن حمز كافرا) , وسروره بإسلام حمزة وإيمانه ، ثمّ في قوله : ( لرسول الله) اعتراف آخر وإقرار بالرسول والرسالة , وكذلك نفي السحر عنه .

• وعندما اشتدّ الصراع مع قريش ، وثبت النبي (صلّى الله عليه وآله) على موقفه ، ورفض أبو طالب تسليم النبي (صلّى الله عليه وآله) لقريش ، قال أبو طالب : اذهب يابن أخي فقل ما أحببت ؛ فوالله لا اُسلمك لشيء أبداً . ثم أنشد يقول :

والله لـن يصلوا إليـك بجمعـهمْ        حتّى اُوسّـد فـي الترابِ دفينـا

فاصـدع بأمـركَ ما عليـك غضاضـةٌ      وابشـر بـذاك وقـرّ منـك عيونـا

ودعوتنـي وعلمـتُ أنـك ناصحي       ولقـد صدقتَ وكنـت ثَـمّ أمينـا

ولقـد علمـتُ بأنّ ديـنِ محمّدٍ        من خيـرِ أديان البريـةِ دينا

وفي البيت الأخير أجلى البراهين على إقراره بدين محمّد (صلّى الله عليه وآله) .

• وليس أصرح من كلِّ ذاك إلاّ ما بعثه من أبيات إلى النجاشي ملك الحبشة وهو يدعوه إلى الإسلام ، ويشكره على حسن ضيافته لابنه جعفر الطيار وسائر المهاجرين , حيث يقول :

أتعلمُ مـلكَ الحبـشِ أنّ محمّـداً         نبـيٌّ كموسـى والمسيـحِ بـن مريمِ

أتى بالهـدى مثـل الذي أتيا بـه        فكـلٌّ بأمـر الله يهـدي ويعصـمُ

وإنـكـم تتلونـه فـي كتابكـمْ        بصدقِ حـديثٍ لا حديـث الترجّـمِ

فلا تجعلـوا لله نـداً وأسلمـوا         فإنّ طريقَ الحـقِّ ليس بمظلمِ

وإنّـك ما تأتيـك منّا عصابـةٌ       لقصدك إلاّ اُرجعـوا بالتكرّمِ