حين يسدّ النضال السلمي سبلَ النجاة!

الجمعة 20 يناير 2017 - 08:11 بتوقيت غرينتش
حين يسدّ النضال السلمي سبلَ النجاة!

النضال السلمي لا يتخلف عن النضال الثوري مِن حيث كلفة التضحيات وشرط الكفاءة القيادية. فقد تكون خسائر سلمية النضال أعظم ضررا وحجما مِن الثورية، والعكس صحيح. وكلاهما بحاجة إلى كفاءة قيادية عالية المستوى والأداء، على عكس القائلين بأنّ الكفاءة ليست شرطا في تحقق النضال السلمي دائما لأنه أقل تعقيدا من الثوري.

كريم المحروس

وأما فكرة القائلين بأنّ اختيار النضال السلمي وتفضيله على الثوري جاء لقلةٍ في كلفة التضحيات المطلوبة والنسبية في مستوى الكفاءة القيادية الضرورية؛ فقد أخطأوا الفكرة وربما دلّسوا وكذبوا وبرروا قعودهم وخضوعهم بها وجعلوا منها ملجأ لتخاذلهم، بل ربما أوقعوا أندادهم من المعارضين في قبضة الإستبداد وحرضوا على قهرهم.

إنّ الإختيار بين النضالين تعبير عن إدراك طبيعة النضال واستجابة للضرورة السياسية وليس للتّفاوت المتوقع في مستوى الكلفة والنسبية في مطلب الكفاءة، لأنّ الكلفة لا مقدّر لها قلة وكثرة، وشرط الكفاءة مِن مستلزمات النضال بكل صوره وليس محدودا على شكل مِن أشكاله.

‏مِن هنا يمكننا القول بأنّ اختيار النضال السلمي خاضع لاحتماليّ النجاح والإخفاق بنفس مستوى درجة خضوع النضال الثوري لذات الإحتمالين، والأمر كله هنا موكول الى فن الإختيار بينهما بحسب المعطيات المتوفرة وطبيعة ساحة العمل النضالي. وحجم الكلفة وشرط الكفاءة ملازمان لكلا النضالين السلمي والثوري من غير تفاوت في الوفرة. وقد يعجز التدبير السياسي في اختيار الأفضل بين خياري النضال السلمي والنضال الثوري، والعجز هنا ناشئ عن ضعف في الكفاءة أو عدمها.

‏‏في العقدين الماضيين خَلقت فكرة النضال السلمي أوهاما سياسية بين الكثير من الجهات المعارضة في البلاد العربية، فكانوا بهذا الوهْم خاضعين متذللين للإستبداد تحت خيار "السلمية" وبلا منهج وبرنامج عمل نضالي متميّز. وتظاهرُ الأذكياء من المعارضين بهذا الوهْم كان لغرض غير نزيه مخبوء في أنفسهم إذ اتخذوا من النضال السلمي وسيلة لسد الطرق أمام المساعي الثورية فضلا عن منع تفوقها في إنجاز أي مكسب سياسي محدود بحدود مناضليها.

لا يخلو نضال سلمي مِن أعمال ثورية، كما لا يخلو النضال الثوري من جهات سلمية. وقد تقع الكارثة حين تمارس معارضة ما العمل السلمي في دائرة مغالبة مصطنعة مع الأنداد المعارضين وليس في مقابل الإستبداد ومتطلبات مواجهته فتُعطّل نضالَهم.

‏في تونس مثلا أُطلِق على النضال وصف "السلمية" أو "ثورة الياسمين" وكان النضال الثوري حاضرا وظاهرا مِن غير مغالبة أطراف المعارضة الأخرى، فحققوا نصرهم، ما يؤكد على أنّ العمل الثوري لا يمكن لأحد أن يشترط منعه أو يسعى إلى ردعه بعنوان "السلمية"، بل على "السلميين" الإيمان بحق العمل الثوري في النضال بحسب رؤيته الخاصة، وعليهم الإيمان بأنّ ردود الفعل بين عامة الناس طبيعة بشرية ولا تُشكل صفتها أثرا مصيريا في النضال.

‏سكتَ سلميو تونس على الأعمال الثورية ولم يبالغوا في إدانتها إلى حدّ التطرف والسفاهة، لأنهم كانوا سياسيين باجتهاد واسع، ويدركون أنّ السياسة آلية مثالية يُركن إليها لخلق الإنسجام بين الأضداد والتوافق بين المختلفين، فكان أنْ تجنبوا الخوض في تقويم نضال الآخرين بوصاية منهم.

الكل مسؤول عن أعماله بحسب قراءته لمتطلبات الواقع، ولو خاض أحد النضالَين السلمي والثوري في خصوصيات الآخر مِن أجل تحقيق مكسب متقدم أو سدّ الطرق بمغالبة سياسية مختلقة؛ فذلك يمثل قصورا سياسيا أو أنانية مفرطة أو مغامرة مصيرية. عندئذ لا تستحق هذه الجهة صفة "المعارض السياسي" بأي حال.

 لا يوجد نضال سلمي مجرد مِن ردود الفعل الطبيعية البشرية الملازمة لعنف الإستبداد، وحق الدفاع عن النفس مشروع. والرأي العام والمنظمات الدولية ذات العلاقة يتفهمان ذلك بالدليل أو القرينة. إذاً.. لماذا يتبادل المناضلان السلمي والثوري الإدانات والإتهامات في النضال؟!.. تلك لعبة هزلية بينهما أو قصور فيهما. فإن كان القصور فيهما واقع؛ فكيف يحق لهما أن يصفا نفسيهما بـ"السياسيين" بينما تفتح مفاهيم السياسة فضلا عن معانيها باب التكامل لإنهاء مرحلة الإستبداد؟!