الكوثر - مناسبات
نشأ وتربّى في ظلّ أبيه الذي فاق أهل عصره علماً وزهداً وتقوىً وجهاداً. وصحب أباه اثنين أو ثلاثاً وعشرين سنة وتلقّى خلالها ميراث الإمامة والنبوّة فكان كآبائه الكرام علماً وعملاً وقيادةً وجهاداً وإصلاحاً لاُمّة جدّه محمد صلى الله عليه وآله.
وقد ظهر أمر إمامته في عصر أبيه الامام الهادي عليه السلام وتأكّد لدى الخاصة من أصحاب الإمام الهادي والعامة من المسلمين أنه الإمام المفترض الطاعة بعد أبيه عليه السلام.
تولّى مهامّ الإمامة بعد أبيه واستمرّت إمامته نحواً من ست سنوات، مارس فيها مسؤولياته الكبرى في أحرج الظروف وأصعب الأيّام على أهل بيت الرسالة بعد أن عرف الحكّام العباسيون - وهم أحرص من غيرهم على استمرار حكمهم - أن المهدي من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ومن ولد علي ومن ولد الحسين عليه السلام فكانوا يترصّدون أمره وينتظرون أيّامه كغيرهم، لا ليسلّموا له مقالد الحكم بل ليقضوا على آخر أمل للمستضعفين.
وإتجه الإمام الحسن العسكري تمهيداً لغيبة ولده إلى عملين ممهدين:
1ـ قام بحجب الإمام عن أعين الناس، ومن ثم قام بإظهاره عليه السلام لبعض الخاصة فقط.
2ـ شن حملة توعية لفكرة الغيبة، وتعويد الناس على متطلباتها.
لقد كان الإمام الحسن العسكري عليه السلام استاذ العلماء وقدوة العابدين وزعيم المعارضة السياسية والعقائدية في عصره، وكان يشار إليه بالبنان وتهفو إليه النفوس بالحبّ والولاء كما كانت تهفو الى أبيه وجدّه اللذين عُرف كل منهما بابن الرضا عليهما السلام، كل هذا رغم معاداة السلطة لأهل البيت عليهم السلام وملاحقتها لهم ولشيعتهم.
وقد فرضت السلطة العباسيّة الاقامة الجبرية على الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام وأجبرته على الحضور في يومين من كل اسبوع في دار الخلافة العباسية.
لقد كان جادّاً في العبادة طيلة حياته ولا سيّما حين كان في السجن حيث وكل به رجلان من الأشرار، فاستطاع أن يحدث تغييراً أساسياً في سلوكهما وصارا من العبادة والصلاة الى أمر عظيم، وكان اذا نظر إليهما ارتعدت فرائصهما وداخلهما ما لا يملكان.
وقد لاحقت السلطة العباسية الإمام العسكري عليه السلام وأحاطته بالرقابة وأحصت عليه كلّ تحرّكاته لتشلّ نشاطه العلمي والسياسي وتحول بينه وبين ممارسة دوره القيادي في أوساط الاُمة.
حينما يعلم الإمام إحتياج الأمة إلى مصلح، وإمام عدل وهادٍ، ويدرك كنه الإرادة الإلهية لغياب الحجة إلى حين وقته، يعرف أن عليه مسؤولية التمهيد لذلك، لأن البشر اعتادوا الإدراك والمعرفة الحسية، ومن الصعب التجاوز إلى تفكير أوسع إلا بمعونة. والمجتمع منحرفٌ، والأواصر الاجتماعية مفككةٌ، والمستوى الفكري والروحي متدني، وبالتالي يحتاج إلى منقذ، والمصلحة والإرادة الإلهية متعلقة بالغيبة.
إذن: لا بد من تمهيد لهذه الغيبة رغم الإرهاصات المسبقة، والنصوص المتواترة التي جاءت تبشر بالمهدي عند الخاصة والعامة حتى أصبحت فكرة المهدي مستقرة في أذهان الأمة أجمع، وتأصلت في نفوس المسلمين بشكل عام.