عندما وصل رسول الامام الحسين (ع) الى البصرة جمع "يزيد النهشلي" بني تميم وبني حنظلة وبني سعد فلما حضروا قال : (يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم ؟ فقالوا : بخ بخ أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر، حللت في الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا، قال: فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه فقالوا : إنا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي، فقل حتى نسمع، فقال: إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وقد كان أحدث بيعة، عقد بها أمرا ظن أن قد أحكمه، وهيهات والذي أراد، اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل، وقد قام يزيد شارب الخمور، ورأس الفجور، يدعي الخلافة على المسلمين، ويتأمر عليهم مع قصر حلم وقلة علم، لا يعرف من الحق موطئ قدمه، فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين، وهذا الحسين بن علي ابن بنت رسول الله (ص) ذو الشرف الأصيل، والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو أولى بهذا الأمر لسابقته ، وسنه ، وقدمه ، وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم، وحببت لله به الحجة وبلغت به الموعظة ، فلا تعشوا عن نور الحق، ولا تسكعوا في وهدة الباطل، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ونصرته، والله لا يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده، والقلة في عشيرته، وها أنا قد لبست للحرب لأمتها، وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت، ومن يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب.
فتكلمت بنو حنظلة فقالوا: أبا خالد! نحن نبل كنانتك، وفرسان عشيرتك، إن رميت بنا أصبت، وإن غزوت بنا فتحت، لا تخوض والله غمرة إلا خضناها، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها، ننصرك بأسيافنا، ونقيك بأبداننا، إذا شئت.
وتكلمت بنو سعد بن زيد، فقالوا: أبا خالد! إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا.
وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا: يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت، ولا تقطن إن ظعنت، والأمر إليك فادعنا نجبك، ومرنا نطعك، والأمر لك إذا شئت.
فقال: والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا، ولا زال سيفكم فيكم.
ثم كتب إلى الامام الحسين (ع): " بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له، من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك، وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة، وأنتم حجة الله على خلقه، ووديعته في أرضه، تفرعتم من زيتونة أحمدية، هو أصلها وأنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذللت لك أعناق بني تميم، وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها.
وقد ذللت لك رقاب بني سعد، وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استحل برقها فلمع.
فلما قرأ الامام الحسين (ع) كتاب "يزيد بن مسعود النهشلي" قال: ((مالك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش)).
رسول الامام الحسين شهيدا
وأما المنذر بن جارود، فإنه جاء بالكتاب والرسول (سليمان بن رزين) إلى عبيدالله بن زياد، لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيدالله، وكانت (بحرية بنت المنذر بن جارود) تحت عبيدالله بن زياد، فأخذ عبيدالله الرسول فصلبه، فكان أول شهداء النهضة الحسينية، ثم صعد المنبر فخطب وتوعد أهل البصرة على الخلاف، وإثارة الأرجاف، ثم بات تلك الليلة، فلما أصبح استناب عليهم أخاه "عثمان بن زياد" وأسرع هو قاصدا الكوفة.
إقرأ أيضا: أقمار مع الامام الحسين (ع)... (1) مسلم سفيرا ومقاتلا وشهيدا