سفير الأمام الحسين (ع)... مسلم بن عقيل شهيدا

الجمعة 8 يوليو 2022 - 13:38 بتوقيت غرينتش
سفير الأمام الحسين (ع)... مسلم بن عقيل شهيدا

النهضة الحسينية-الكوثر: كان مسلم بن عقيل بن ابي طالب (رض)، (ابن عم الامام الحسين عليه السلام)، من أشجع بني عقيل وأرجلهم، فقد كان أحد قيادات ميمنة جيش أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في معركة صفين، وهو الذي قابل جموع أهل الكوفة وحده من دون أن يعينه أحد، فأشاع فيهم القتل، ولمّا جيء به أسيراً (بعد الكيد به) على عبيد الله ابن زياد (لعنه الله) لم يظهر على مسلم (رض) أي ذل أو انكسار. واستُشهد في التاسع من ذي الحجّة 60ﻫ، ودُفن بجنب جامع الكوفة في العراق، وقبره معروف يُزار.

قال الخوارزمي: سار الامام الحسين (عليه السلام) حتى بلغ منطقة زرود، فلقي رجلا على راحلة له وكان الامام (ع) وقف ينتظره، فلما رأى الرجل ذلك عدل عن الطريق فتركه الحسين (ع) ومضى، قال عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان: (كنا نساير الحسين (ع)، فلما رأينا الحسين (ع) وقف للرجل والرجل عدل عن طريقه، لحقنا بالرجل فسلمنا عليه فرد علينا السّلام، فقلنا: ممن الرجل قال: أسدي، قلنا: ونحن أسديان، ما الخبر؟ قال: الخبر أن مسلم بن عقيل (ع) وهاني بن عروة (ع) قد قتلا، ورأيتهما يجرّان في السوق بأرجلهما).

 الثعلبية: ذكر الشيخ المفيد (قدس سره) أن الأسديّين (عبد الله والمنذر) قالا: فأقبلنا حتى لحقنا الحسين (ع) فسايرناه حتى نزل منطقة الثعلبية ممسياً فجئناه حين نزل، فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له: رحمك الله، ان عندنا خبراً ان شئت حدثناك علانيةً وان شئت سراً فنظر إلينا وإلى اصحابه ثم قال (ع): ما دون هؤلاء سر، فقلنا له: أرأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس؟ قال (ع): نعم، وقد أردت مسألته، فقلنا قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته، وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل، وانه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قُتل مسلم وهاني ورآهما يجران في السوق بأرجلهما فقال الحسين (ع): انا لله وانا إليه راجعون، رحمة الله عليهما، يردد ذلك مراراً.

فقلنا له: ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك الاّ انصرفت من مكانك هذا، فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك، فنظر الى بني عقيل فقال (ع): ما ترون فقد قتل مسلم، فقالوا: والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق، فأقبل علينا الحسين (ع) وقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير.

فقلنا له: خار الله لك، فقال (ع): رحمكما الله.

قال السيد ابن طاووس: (قال الراوي: نزل الامام الحسين (ع) الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد، ثم استيقظ فقال (ع): قد رأيت هاتفاً يقول: انتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة، فقال له ابنه علي (الاكبر): يا أبه أفلسنا على الحق؟ فقال (ع): بلى يا بُني، والله الذي إليه مرجع العباد فقال: يا أبه اذن لا نبالي بالموت، فقال الحسين (ع): جزاك الله يا بني خيرا ما جزى ولداً عن والده).

الشقوق: قال ابن شهر آشوب: (لما نزل الامام الحسين (ع) منطقة الشقوق أتاه رجل فسأله عن العراق فأخبره بحاله، فقال: ان الأمر لله يفعل ما يشاء، وربنا تبارك كل يوم هو في شأن. فان نزل القضاء فالحمد لله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من الحق نيته، ثم أنشد (ع):

فان تكن الدنيا تعد نفيسة *** فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وان تكن الأموال للترك جمعها *** فما بال متروك به الحر يبخل

وان تكن الأرزاق قسماً مقدراً *** فقلة حرص المرء في الكسب اجمل

وان تكن الأبدان للموت انشئت *** فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل

عليكم سلام الله يا آل أحمد *** فاني أراني عنكم سوف أرحل

وكان الامام الحسين (ع) سرح إلى "مسلم بن عقيل (ع) من الطريق، أخيه من الرضاعة "عبد الله بن يقطر (رض)"،  وهو لا يدري ان مسلما (ع) قد أصيب، فتلقاه خيل "الحصين بن نمير (لعنه الله)" بالقادسية فسرح به إلى "عبيد الله ابن زياد (لعنه الله). فقال: اصعد فوق القصر فالعن الكذاب ابن الكذاب، ثم أنزل حتى أرى فيك رأيي، قال: فصعد، فلما أشرف على الناس قال: أيها الناس، اني رسول الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله (ص) لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة ابن سمية الدعي، فأمر به عبيد الله فألقي من فوق القصر إلى الأرض، فكسرت عظامه، وبقي به رمق، فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه.

وكان الامام الحسين (ع) لا يمر بأهل ماء إلا اتبعوه حتى إذا انتهى إلى منطقة زبالة سقط إليه خبر مقتل (مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر) رضوان الله عليهم، فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد؛ فقد أتانا خبر فضيع! قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه منا ذمام، فتفرق الناس عنه تفرقا، فأخذوا يمينا وشمالا، حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ويريدون مواساة الامام (ع) والموت معه.

شجاعة مسلم (ع):

جاء في كتب التاريخ أنّ مسلم بن عقيل (ع) كان محارباً قوياً و بطلاً شجاعاً. ويقول الدينوري في شجاعته: "وخرج ولد عقيل مع الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، فقتل منهم تسعة نفر. وكان مسلم بن عقيل أشجعهم. وكان على مقدّمة الحسين فقتله عبيد الله بن زياد صبراً".

وذكر أحمد الكوفي في كتابه الفتوح: أن عبيد الله بن زياد وأرسل إلى مسلم (ع) ثلاثمئة رجل بقيادة محمّد بن الأشعث (لعنه الله)، فسمع مسلم (ع) وقع حوافر الخيل فتبسّم و قال: (يا نفس! أخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص).

وخرج مسلم (ع) في وجوه القوم كأنه أسد مغضب، فجعل يضاربهم بسيفه حتى قتل منهم جماعة، فبلغ ذلك عبيد الله بن زياد، فأرسل إلى محمد بن الأشعث وقال: سبحان الله! بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به، فأثلم في أصحابي ثلمة عظيمة. فأرسل إليه محمد بن الأشعث: أيّها الأمير! أما تعلم أنّك بعثتني إلى أسد ضرغام، وسيف حسام، في كفّ بطل همام، من آل خير الأنام.

أحداث شهادته:

جاء في "اللهوف" لابن طاووس (قدس سره): لما قُتل هاني بن عروة (رض) بلغ خبره مسلم بن عقيل (ع) فخرج بمن بايعه إلى حرب عبيد الله بن زياد (لعنه الله)، فتحصن منه بقصر دار الإمارة، واقتتل أصحابه وأصحاب مسلم، وجعل أصحاب عبيد الله الذين معه في القصر يتشرفون منه ويحذرون أصحاب مسلم، ولكي يفرّقوا أنصاره من حوله أخذوا يتوعدونهم بأجناد الشام، فلم يزالوا كذلك حتى جاء الليل.

بعد ذلك جعل أصحاب مسلم (ع) يتفرقون عنه، ويقول بعضهم لبعض: ما نصنع بتعجيل الفتنة أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم، فلم يبق معه سوى عشرة أنفس، فدخل مسلم (ع) مسجد الكوفة ليصلي المغرب فتفرق العشرة عنه، ولمّا رأى مسلم ذلك خرج وحيداً في دروب الكوفة حتى وقف على باب امرأة يقال لها (طوعة)، فطلب منها ماءً فسقته، ثمّ استجارها فأجارته، فعلم به ولدها فوشى الخبر بطريقة إلى ابن زياد (لعنه الله)، فأحضر محمد بن الأشعت (لعنه الله) وضم إليه جماعة وأنفذه لاحضار مسلم.

وعندما وصلوا الى دار طوعة، وسمع مسلم (ع) وقع حوافر الخيل لبس درعه وركب فرسه وجعل يحارب أصحاب عبيد الله حتى قتل منهم جماعة، فناداه محمد بن الأشعث وقال: يا مسلم لك الأمان. فقال مسلم: وأي أمان للغدرة الفجرة؟! ثمّ أقبل يقاتلهم ويرتجز:

          أقسمـــــــت لا أقتل إلا حراً       ***    وإن رأيت الموت شيئاً نُكرا

   أكره أن أخــــــــــــدَع أو أغرّا     ***     و أخلط البــــــــارد سخناً مرّا

         كلّ امرئ يوماً يلاقى شرّا     ***    أضربكم ولا أخـــــــــــــاف ضرّا

 

وتكاثروا عليه، وقد أثخن بالجراح، فطعنه رجل من خلفه، فخرّ إلى الأرض، فأُخذ أسيراً".

حوار مسلم (ع) مع عبيد الله بن زياد:

لما أدخل على عبيد الله لم يسلم عليه، فقال له الحرس: سلّم على الأمير.

فقال له: أسكت، ويحك، والله ما هو لي بأمير.

فقال ابن زياد: لا عليك، سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول.

فقال له مسلم (ع): إن قتلتني فلقد قتل مَن هو شرّ منك مَن هو خير منّى، وبعد فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لا أحد أولى بها منك.

فقال ابن زياد: يا عاق يا شاق خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألحقت الفتنة.

فقال مسلم (ع): كذبت يا بن زياد! إنّما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد، وأمّا الفتنة فإنّما ألحقها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بنى علاج من ثقيف، وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شرّ بريته.

فقال ابن زياد: منتك نفسك أمراً حال الله دونه وجعله لأهله.

فقال له مسلم (ع): ومن يا ابن مرجانة؟

فقال أهله يزيد بن معاوية.

فقال مسلم (ع): الحمد لله رضينا بالله حكماً بيننا و بينكم.

فقال له ابن زياد: أتظن أنّ لك في الأمر شيئاً.

فقال له مسلم (ع): والله ما هو الظن ولكنه اليقين.

فقال ابن زياد: أخبرني يا مسلم بماذا أتيت هذا البلد وأمرهم ملتئم فشتّت أمرهم بينهم وفرقت كلمتهم.

فقال مسلم (ع): ما لهذا أتيت، ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتآمرتم على الناس بغير رضى منهم، وحملتموهم على غير ما أمركم الله به، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف، وننهى عن المنكر، وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة، وكنا أهل ذلك.

فجعل زياد يشتمه ويشتم علياً والحسن والحسين عليهم السلام.

فقال له مسلم (ع): أنت وأبوك أحقّ بالشتيمة، فاقض ما أنت قاض يا عدو الله.

فأمر ابن زياد بكير بن حمران أن يصعد به إلى أعلى القصر فيقتله، فصعد به وهو يسبح الله تعالى ويستغفره ويصلّى على النبي صلی الله عليه وآله وسلم، فضرب عنقه".

أمّا تاريخ شهادته ففي الإرشاد: كانت شهادته في التاسع من ذي الحجة "يوم عرفة"، ثمّ إنّ ابن زياد نصب رأس مسلم بن عقيل على الخشب بالكوفة وهو أول رأس نصب في الإسلام.

مكان قبره:

إنّ قبر مسلم بن عقيل (ع) هو مشهده الآن، وهو في مسجد الكوفة وحوله شباك فضّي كبير، وله رواق مبلّط بالقاشاني، وعليه قبّة شامخة. يتوافد على ضريحه الزائرون من شتّى أنحاء العالم.

سلام الله على مسلم بن عقيل وعلى هاني بن عروة المذحجي يوم ولدا ويوم استشهدا ويوم يبعثا حيا.. اللهم ارزقنا زيارتهم في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة... اللهم آمين.