من عبادة الامام الصادق (ع)
ما عسى أن نتحدث عمن عبادته موفورة وأوراده متواصلة، يقسم ساعاته في الليل والنهار على أنواع الطاعات حتى أقرّ من لم يعتقد امامته بأنه سلام الله عليه من أكابر الزهاد الذين يخشون الله عزّوجل، ولا بدع إذا كان أبو عبد الله الصادق (ع) أفضل الناس عبادةً وزهادةً وورعاً، فان الامام (ع) عبد مولاه على قدر علمه ومعرفته به سبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطر 28)
وقد روي أن مولانا الصادق (ع) كان يتلو القرآن الكريم في صلاته، فغشي عليه، فلما افاق سئل (ع) : ما الذي أوجب ما انتهت حاله اليه؟ فقال ما معناه: ما زلت أكرر آيات القرآن حتى بلغت الى حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها.
قال منصور الصيقل: (حججت فمررت بالمدينة فأتيت قبر رسول الله (ص) فسلمت عليه، ثم التفت، فإذا أنا بأبي عبد الله (ع) ساجداً فجلست حتى مللت، ثم قلت: لأسبحنّ ما دام ساجداً فقلت: سبحان ربي وبحمده، أستغفر ربي وأتوب اليه، ثلاثمائة مرة ونيفاً وستين مرة، فرفع رأسه ثم نهض فاتبعته وأنا أقول في نفسي: ان أذن لي ودخلت عليه قلت له: جعلت فداك أنتم تصنعون هكذا!! فكيف ينبغي لنا أن نصنع، فلما أن وقفت على الباب، خرج الي مصادف فقال: ادخل يا منصور، فدخلت فقال لي مبتدئاً: يا منصور ان كثرتم أو قلّلتم فوالله ما يقبل الاّ منكم).
قال أبان بن تغلب: (كنت مع أبي عبد الله الصادق (ع) مزاملة فيما بين مكة والمدينة، فلما انتهى الى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه، ثم دخل الحرم حافياً فصنعت مثل ما صنع، فقال: يا أبان من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعاً لله محى الله عنه مائة ألف سيئة وكتب له مائة ألف حسنة وبنى الله عزّوجل له مائة ألف درجة وقضى له مائة ألف حاجة).
وروى بكر بن محمد الأزدي قال: «خَرَجْتُ أَطُوفُ وَأَنَا إِلَى جَنْبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) حَتَّى فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ، ثُمَّ مَالَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مَعَ رُكْنِ الْبَيْتِ وَالْحِجْرِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ سَاجِداً: «سَجَدَ وَجْهِي لَكَ تَعَبُّداً وَرِقّاً، وَلَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ حَقّاً حَقّاً، الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ. وَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ غَيْرُكَ، فَاغْفِرْ لِي فَإِنِّي مُقِرٌّ بِذُنُوبِي عَلَى نَفْسِي، وَلَا يَدْفَعُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ غَيْرُكَ» ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَوَجْهُهُ مِنَ الْبُكَاءِ كَأَنَّمَا غُمِسَ فِي الْمَاءِ».
يا أبا عبد الله، يا جعفر بن محمد أيها الصادق، يابن رسول الله، يا حجة الله على خلقه، يا سيدنا ومولانا، إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك الى الله، وقدمناك بين يدي حاجاتها، يا وجيها عند الله اشفع لنا عند الله.
حثّه المؤمنين على العبادة
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى حَمِيدَةَ (زوجة الامام الصادق ع) أُعَزِّيهَا بِـأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (الامام الصادق ع) فَبَكَتْ وَبَكَيْتُ لِبُكَائِهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عِنْدَ الْمَوْتِ لَرَأَيْتَ عَجَباً فَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ مَنْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ قَالَتْ: فَمَا تَرَكْنَا أَحَداً إِلَّا جَمَعْنَاهُ قَالَتْ: فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ شَفَاعَتَنَا لَا تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِـالصَّلَاةِ.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (الامام الصادق ع) إِذَا صُمْتَ، فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَشَعْرُكَ وَجِلْدُكَ وَعَدَّدَ أَشْيَاءَ غَيْرَ هَذَا، وَقَالَ: لَا يَكُونُ يَوْمُ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ».
إقرأ أيضا أضواء على حياة الإمام الصادق (ع) .. (4) في ذكرى استشهاده :
في الحلقة السادسة من أضواء على حياة الإمام الصادق (ع) نتناول إن شاء الله تعالى أولاده (ع) وفاة ابنه اسماعيل وموقفه من الخطابية.