من حديث رسول الله (ص)..(29).. (رُبَّ تَالِي القُرْآنِ وَالقُرْآنُ يَلْعَنُه)

الثلاثاء 10 مايو 2022 - 07:19 بتوقيت غرينتش
من حديث رسول الله (ص)..(29).. (رُبَّ تَالِي القُرْآنِ وَالقُرْآنُ يَلْعَنُه)

حديث شريف-الكوثر: يُروى عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (رُبَّ تَالِي القُرْآنِ وَالقُرْآنُ يَلْعَنُه).. المصدر: (جامع الأخبار ص48).

لماذا يلعنُ القرآن شخصاً يتلوه ويُرَتِّلُ آياته؟!

 ألم يأمر الله تعالى بتلاوة القرآن؟ فكيف تنقلبُ التلاوةُ إلى لعنةٍ يُنزلها الكتابُ نفسُهُ على تاليه؟

ثمَّ مَن هو هذا التالي الملعون؟ وما صفاته؟ وما الذي فعله حتى استحقَّ لعنَ الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟

 إنَّ قُرَّاء القرآءٍ على أصنافٍ ثلاثةٍ، كما يكشفُ لنا الإمام محمد الباقر عليه السلام، حيث يقول: ((قُرَّاءُ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ، رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَاتَّخَذَهُ بِضَاعَةً وَ اسْتَدَرَّ بِهِ الْمُلُوكَ وَ اسْتَطَالَ بِهِ عَلَى النَّاسِ، وَ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَحَفِظَ حُرُوفَهُ وَ ضَيَّعَ حُدُودَهُ وَ أَقَامَهُ إِقَامَةَ الْقِدْحِ- فَلَا كَثَّرَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ، وَ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَوَضَعَ دَوَاءَ الْقُرْآنِ عَلَى دَاءِ قَلْبِهِ، فَأَسْهَرَ بِهِ لَيْلَهُ وَ أَظْمَأَ بِهِ نَهَارَهُ وَ قَامَ بِهِ فِی مَسَاجِدِهِ وَ تَجَافَى بِهِ عَنْ فِرَاشِهِ، فَبِأُولَئِكَ يَدْفَعُ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْبَلَاءَ وَ بِأُولَئِكَ يُدِيلُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَ بِأُولَئِكَ يُنَزِّلُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْغَيْثَ مِنَ السَّمَاءِ، فَوَ اللَّهِ لَهَؤُلَاءِ فِی قُرَّاءِ الْقُرْآنِ أَعَزُّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمر)).. المصدر: (الكافي ج‏2 ص627).

والرجال الثلاثة هم:

القسم الأول من قرّاء القرآن الكريم:

رَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ فَاتَّخَذَهُ بِضَاعَةً، وَاسْتَدَرَّ بِهِ المُلُوكَ، وَاسْتَطَالَ بِهِ عَلَى النَّاسِ!

 إنَّ أمثال هذا الرَّجل يُتاجرون بالقرآن، أخذاً وعطاءً، وهم في ذلك يتَّصفون بخصلتين:

 الخصلة الأولى: انعدام الإيمان واليقين

 فإنَّ القرآن الكريم كتابٌ نافعٌ لمن تيقَّنَ صحَّته، وأنَّه من عند الله تعالى.

يظهر ذلك من كلمات الإمام الكاظم عليه السلام حين يقول:

مَنِ اسْتَكْفَى بِآيَةٍ مِنَ القُرْآنِ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الغَرْبِ كُفِيَ إِذَا كَانَ بِيَقِينٍ (الكافي ج‏2 ص623).

أي أنَّ اليقين بآيةٍ واحدةٍ من آيات القرآن تكفي العبدَ من أهل الأرض جميعاً ما بين مشرقها ومغربها.

 وكما عن الامام الصادق عليه السلام: يَا مُفَضَّلُ احْتَجِزْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ بِـ ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾، وَبِـ ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾.. (الكافي ج‏2 ص624).

إنَّ مَن تَيَقَّنَ وعدَ الله تعالى لم يختبر ربَّه عزَّ وجل، بل امتثل أمرَه مُتَيَقِّناً مُسَلِّماً دون ترديد، فبلغَ الجزاء الموعود.

لكنَّ ضِعاف النفوس يسمعون أثراً لعملٍ فيأتون به على نحو الاختبار لله، فلا يجدونه كما ورد، لأنهم يغفلون أنَّهم أخلُّوا بواحدٍ من أهمِّ شروط قبول الأعمال وتأثيرها، وهو اليقين بها وبوعد الله.

وقارئ القرآن الذي اتَّخذه بضاعةً، لم يكن من أهل اليقين، ثمَّ اتَّصفَ فوق ذلك بخصلة أخرى:

الخصلة الثانية: التشبُّه باليهود

وذلك من حيث متاجرتهم بالقرآن بثمنٍ بَخس، قال تعالى: ﴿وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾.

مَن المخاطَب هنا؟ وما الذي أُمِرَ بالإيمان به؟

 إنَّهم اليهود الذين أمرهم الله تعالى بالإيمان بما (أَنْزَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ [نَبِيِّي‏] مِنْ ذِكْرِ نُبُوَّتِهِ، وَأَنْبَاءِ إِمَامَةِ أَخِيهِ عَلِيٍّ (ع) وَعِتْرَتِهِ [الطَّيِّبِينَ‏] الطَّاهِرِينَ).

ههنا ظهرت الصِّلَةُ بين أمير المؤمنين عليه السلام والقرآن.

 إنَّ مَن اتَّخذَ القرآن بضاعةً هو الذي اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً، ومنهم اليهود والنصارى، الذين رفضوا اتِّباع ما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وآله، وجاء به الوصيُّ من بعده، والأئمة من ذريَّته.

 لقد أُمِرُوا بأن لا يشتروا بآيات الله في محمدٍ وعليٍّ والأئمة عليهم السلام ثمناً قليلاً..

(بأن تَجْحَدُوا نُبُوَّةَ النَّبِيِّ [مُحَمَّدٍ] (ص) وَإِمَامَةَ الإِمَامِ [عَلِيٍ‏] (ع) [وَآلِهِمَا] وَتَعْتَاضُوا عَنْهَا عَرَضَ الدُّنْيَا) (تفسير الإمام العسكري ع ص228).

 عَرَضُ الدُّنيا الذي يتنافس فيه الناسُ دَهرَهُم قليلٌ مقابلَ النبوّة والإمامة، وهؤلاء قد اشتروا الدُّنيا وباعوا طاعة الله، فكانت تجارتُهم خاسرة.

 ثم تلاهُم مَن سمعَ كلامهم، ومِنهم رجلان اتَّخذتهم الأمةً من السادة والقادة: مَا أَسْلَمَا طَوْعاً وَلَا كَرْهاً، وَإِنَّمَا أَسْلَمَا طَمَعاً !

فَقَدْ كَانَا يَسْمَعَانِ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ نَبِيٌّ يَمْلِكُ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ وَتَبْقَى نُبُوَّتُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَة (الخرائج والجرائح ج‏1 ص483).

ولمّا لم ينالا ما أرادا بإسلامهما، دبَّرا ومن معهم قتل النبي (ص)، وسلب الخلافة من أوصيائه، طلباً للدّنيا.

 ثمَّ زعمت الأمة أن هؤلاء هم حملة القرآن!

نعم إنَّهم مِن حملة القرآن، لكنهم ممَّن قرأ القرآن واتخذه بضاعة!

 إنَّ لهؤلاء عذاباً شديداً يوم الحساب لاستغلالهم قرآن الله عزَّ وجل الصامت، لمحاربة قرآن الله الناطق عليّ عليه السلام.

ويقترن هؤلاء بقَتَلَةِ الإمام الحسين عليه السلام، ففي مواقف القيامةٍ يَظهرُ الحسين عليه السلام بلا رأسٍ:

فَيَغْضَبُ الله عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَأْمُرُ نَاراً يُقَالُ لَهَا هَبْهَبُ، قَدْ أُوقِدَ عَلَيْهَا الفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، لَا يَدْخُلُهَا رَوْحٌ أَبَداً وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا غَمٌّ أَبَداً، فَيُقَالُ: التَقِطِي قَتَلَةَ الحُسَيْنِ وَحَمَلَةَ القُرْآنِ، فَتَلْتَقِطُهُمْ.

 يُلتَقَطُ حَمَلَةُ القرآن هؤلاء مع أشد الناس عذاباً يوم القيامة، مع قَتَلَة الحسين عليه السلام، فإنَّهم الكاذبون على الله، والمتاجرون بآياته التي كانت باباً للهُدى.

تطلبهم هذه النار وتلتقطهم:

 فَإِذَا صَارُوا فِي حَوْصَلَتِهَا صَهَلَتْ وَصَهَلُوا بِهَا، وَشَهَقَتْ وَشَهَقُوا بِهَا وَزَفَرَتْ وَزَفَرُوا، بِهَا فَيَنْطِقُونَ بِالسِنَةٍ ذَلْقَةٍ طَلْقَةٍ: يَا رَبَّنَا فِيمَا أَوْجَبْتَ لَنَا النَّارَ قَبْلَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ؟

 عُبّاد الأوثان اليوم أقلُّ عذاباً يوم القيامة من بعض حَمَلَة القرآن، فما السرُّ في ذلك؟ يسألون ربهم يوم القيامة.

فَيَأْتِيهِمُ الجَوَابُ عَنِ الله تَعَالَى: أَنَّ مَنْ عَلِمَ لَيْسَ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ (ثواب الأعمال ص217).

 صارَ حَمَلَةُ القرآن هؤلاء في جهنم مع قتلة الحسين عليه السلام، لأنَّهم ما آمنوا حقاً بالله ولا كتابه ولا رسوله ولا عترته وكانوا عالمين، فحقَّ أن يكونوا لجهنم حطباً.

إنَّ في حملِ القرآن والعلم مسؤوليةٌ عظيمة، لا يُكتفى فيها بلقلقة اللسان.

 ولئن كان يُغفرُ للجاهل سبعين ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنبٌ واحد، فإنَّ أهل العلم على خطرٍ عظيم، إن هُم حملوا القرآن واتخذوه بضاعة.

هذا هو القسم الأول من حَمَلَة القرآن، قِسمٌ ما اتَّبَعَ علياً عليه السلام، ولا أطاع الله تعالى في كتابه، فصار من أهل النار.

القسمُ الثاني من قُرَّاء القرآن:

وَرَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ: فَحَفِظَ حُرُوفَهُ وَضَيَّعَ حُدُودَهُ..

 حِفظُ القرآن خِصلةٌ محبَّذة، محبوبةٌ، مرغوبةٌ، على أن يكون ذلك مقدَّمةً لحفظ حدوده.. فبين حفظ الحروف وحفظ الحدود بينٌ واسعٌ.

أما مَن حفظ الحروف وضيَّع الحدود، فيشترك مع من اتخذ القرآن بضاعةً في عدم العمل بالقرآن.

 وفي هؤلاء وهؤلاء يقول الباقر عليه السلام: (فَلَا كَثَّرَ الله هَؤُلَاءِ مِنْ حَمَلَةِ القُرْآنِ!).

 دُعاءٌ عجيبٌ منه عليه السلام، فإذا ضُمَّ إلى حديث الصادق عليه السلام: إِنَّ رُوَاةَ الكِتَابِ كَثِيرٌ، وَإِنَّ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ!

كشفَ لنا ذلك عن أنَّ أكثر رواةِ الكتاب وحفظته ممَّن ضيَّعوا حدوده! وممن يدعو الإمام عليهم حين يدعو بأن لا يكثِّرَ الله أمثالهم! أي أن عدمهم خيرٌ من وجودهم مع حفظهم للقرآن!

 يتفاخرُ كثيرٌ من المسلمين اليوم بحفظ القرآن، واللافتُ أنّ العالِمَ يتألَّمُ لحفظ حروف القرآن دون حدوده، والجاهلُ يفرح لحفظ الكتاب مع تضييع حدوده، وفي هؤلاء وهؤلاء يقول الإمام:

فَرَاعٍ يَرْعَى حَيَاتَهُ، وَرَاعٍ يَرْعَى هَلَكَتَهُ (الكافي ج‏1 ص49).

 فمَن حفظ حدوده كان في حفظه حياة الخلود في النعيم، ومن ضَيَّع الكتاب بعد حفظ حدوده كان في حفظ الحروف وتعاهدها انغماساً في أسباب الهلاك.

على أن تضييع الحدود ينشأ من جهات مختلفة منها:

 الجهة الأولى: عدم الفهم

 لقد نهى معاويةُ عن ذكر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، والقرآن يلهجُ بها في كثيرٍ من آياته..

فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَ فَتَنْهَانَا عَنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ؟

قَالَ: لَا.

قَالَ: أَ فَتَنْهَانَا عَنْ تَأْوِيلِهِ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَنَقْرَؤُهُ وَلَا نَسْأَلُ عَمَّا عَنَى الله بِهِ؟

قَالَ: نَعَم‏!

 لا يُريدُ هؤلاء حفظَ حدود القرآن في عليٍّ وبنيه عليهم السلام، ولا يريدون من النّاس أن يفهموا القرآن حقّاً، لأن مَن فيهم القرآن فهم أنَّه يأمر باتباع عليٍّ عليه السلام، ومعاوية لا يريد ذلك.

 لذا رضي معاوية بن ابي سفيان بأن يُروى تفسير القرآن في غير عليٍّ وبنيه (عليهم السلام): فقال: لَا تَرْوُوا شَيْئاً مِمَّا أَنْزَلَ الله فِيكُمْ [مِنْ تَفْسِيرِهِ‏]، وَمَا قَالَهُ رَسُولُ الله فِيكُمْ، وَارْوُوا مَا سِوَى ذَلِك‏ (كتاب سليم ج‏2 ص782).

 إنَّ المعرفةَ هي رأس مال الإنسان، فكيف يتَّبعُ القرآنَ من لم يعرف ما يُرشد إليه الكتاب العزيز؟

لقد أثمرت حَربُ معاوية وسواه لعليٍّ عليه السلام تضييعَ حقِّه (ع) في كتاب الله.

ثم عرفَ قومٌ لزوم موالاته في الكتاب، لكنهم جهلوا لزوم معاداة أعدائه، فصاروا أيضا ممن ضيَّع حدوده.

 يقول الامام عليٌّ عليه السلام:

وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ.

وَلَمْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ.

وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ (الكافي ج‏8 ص390).

 إنَّ للولاية شقّاً لازماً، مقدَّماً كان عنها أم مؤخراً، المهم أنها لا تتم إلا به: وهو البراءة.

فما لم تعرف الأمّة من ترك الرشد ونَقَضَ الكتاب ونَبَذَه، لن تعرف الرشد حقاً.. ولذا لا تزال الأمَّةُ اليوم في حالةٍ من السُّبات، تجهلُ حقَّ عليٍّ عليه السلام حين تجهلُ أعداءه.

حتى لو والت الأئمة بزعمها، فإنها كثيراً ما تواليهم وتوالي أعداءهم.. وهي موالاة الحمقى أو الجُهّال.

الجهة الثانية: الدَّجَل

على أنَّ لتضييع حدود القرآن جهة أخرى سوى الجهل، وهي الدَّجل، وان اجتمعت الجهتان في بعض الناس.

من نماذج ذلك ما يأتي به بعض المتصوِّفة، ومَن تبعهم من العرفاء.

يقول جابر للباقر عليه السلام:

إِنَّ قَوْماً إِذَا ذَكَرُوا شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ أَوْ حُدِّثُوا بِهِ صَعِقَ أَحَدُهُمْ حَتَّى‏ يُرَى أَنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ لَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ!

هكذا هم المتصوفة، لا تزال بعض طقوسهم اليوم تتضمن شيئاً من هذه الخزعبلات.. يُدخلون السكاكين في أجسامهم، ويمارسون طقوساً ورهبانية ابتدعوها، ويستقطبون الناس ليتبعوهم بدلاً من آل محمد، وهم يزعمون محبَّتهم!

ثم هم يزايدون على المؤمنين، فيصعق أحدهم لقراءة القرآن أو لسماعه، فيجيب الإمام الباقر جابراً ويقول:

سُبْحَانَ الله، ذَاكَ مِنَ الشَّيْطَانِ، مَا بِهَذَا نُعِتُوا، إِنَّمَا هُوَ اللِّينُ وَالرِّقَّةُ وَالدَّمْعَةُ وَالوَجَلُ (الكافي ج‏2 ص617).

المؤمنُ يحزنُ عند قراءة القرآن، فالقرآن نزل بالحزن، والمؤمنُ يخافُ الله تعالى، لكنَّها خيفة رِقَّةٍ يتفاعل القلبُ معها، تعقبُه سائر الجوارح بالامتثال لأمر الله، والكف عن معاصيه.

لكنَّ هؤلاء تُجاوزُ خشيتهم في الظاهر ما في قلبِهم، فيكونوا من أهل النفاق، والدَّجَل والتلبيس على الناس، إنهم أتباع إبليس (ذَاكَ مِنَ الشَّيْطَانِ).

القسم الثالث من قرّاء القرآن:

رَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ فَوَضَعَ دَوَاءَ القُرْآنِ عَلَى دَاءِ قَلْبِهِ، فَأَسْهَرَ بِهِ لَيْلَهُ وَأَظْمَأَ بِهِ نَهَارَهُ..

فَبِأُولَئِكَ يَدْفَعُ الله العَزِيزُ الجَبَّارُ البَلَاءَ.. وَبِأُولَئِكَ يُنَزِّلُ الله عَزَّ وَجَلَّ الغَيْثَ مِنَ السَّمَاءِ.

فَوَ الله لَهَؤُلَاءِ فِي قُرَّاءِ القُرْآنِ أَعَزُّ مِنَ الكِبْرِيتِ الأَحْمَرِ (الكافي ج‏2 ص627).

 ما أكثر قرّاء القرآن الملعونون، الذين يضيِّعون حدوده أو يتخذونه بضاعة، وما أقلَّ قرّاء القرآن الذين تداووا به.

هؤلاء هم شيعة عليٍّ وآله الأطهار.. فقد استناروا بالقرآن، والقرآن لا ينير إلا بموالاة آل محمد..

 هؤلاء هم الذين: ﴿إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إيماناً﴾ (الأنفال2).

هؤلاء هم حملةُ القرآن حقاً، فيثيبهم الله تعالى بأن يكونوا سادةً في الجنة دون السادة الأعاظم، محمد وآله عليهم السلام فإنّ: حَمَلَة القُرْآنِ عُرَفَاءُ أَهْلِ الجَنَّةِ (الكافي ج‏2 ص606) أي القَيِّمُون على أمور أهل الجنة.

 لقد وصفَ الإمامُ عليه السلام العامل بالقرآن فقال:

الحَافِظُ لِلْقُرْآنِ العَامِلُ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ (الكافي ج‏2 ص603).

 يحشر هؤلاء مع ساداتهم، مع حملة القرآن حقاً وصدقاً.. فقد حملوا القرآن بقدر وسعهم، وآمنوا بأصحاب عِلم القرآن ظاهراً وباطناً، أولئك هم الأئمة المعصومون عليهم السلام.

 يقول النبي (ص):

حَمَلَةُ القُرْآنِ المَخْصُوصُونَ بِرَحْمَةِ الله، المُلَبَّسُونَ نُورَ الله، المُعَلَّمُونَ كَلَامَ الله، المُقَرَّبُونَ عِنْدَ الله، مَنْ وَالاهُمْ فَقَدْ وَالَى الله، وَمَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَى الله..

وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَسَامِعُ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ- وَهُوَ مُعْتَقِدٌ أَنَّ المُورِدَ لَهُ عَنِ الله تَعَالَى: مُحَمَّدٌ، الصَّادِقُ فِي كُلِّ أَقْوَالِهِ، الحَكِيمُ فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ، المُودِعُ مَا أَوْدَعَهُ الله تَعَالَى: مِنْ عُلُومِهِ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيّاً (ع)، المُعْتَقِدُ لِلِانْقِيَادِ لَهُ فِيمَا يَأْمُرُ وَيَرْسُمُ- أَعْظَمُ أَجْراً مِنْ ثَبِيرِ ذَهَبٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ هَذِهِ الأُمُورَ بَلْ [تَكُونُ‏] صَدَقَتُهُ وَبَالًا عَلَيْهِ (تفسير الإمام العسكري ع ص13).

 أي أن شرط نيل الثواب في قراءة القرآن واستماع آياته هو أمران:

 1-  الاعتقاد بنبوّة النبي صلى الله عليه وآله، وأنَّه هو الذي أتى القرآن من عند الله تعالى، وأنَّه صادقٌ في كلِّ أقواله.

 2-  الاعتقاد بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وأنَّ النبيَّ (ص) أودعه علومه، وأمر بالانقياد له.

 فمَن لم يعتقد بذلك من قرّاء القرآن كانت أفعاله وبالاً عليه، إذ أنه يتلو آيات الكتاب التي تأمرُهُ باتِّباع أمير المؤمنين عليه السلام ثمَّ لا يتَّبعه.

وهكذا يفضلُ المؤمن على سواه، بقراءته القرآن، وسماعه إياه، مع امتثال أمر الإمام، فيعطيه الله ثواباً عظيماً.

 هكذا يكون شيعةُ عليٍّ بين قُرّاء القرآن: هم أهل النجاة وحدهم.. وسواهم أهل الضلال والإنحراف وتضييع الحدود.

هكذا يتبين أن ميزان صلاح قارئ القرآن معرفته لعليٍّ عليه السلام، وبراءته من أعدائه، واتباع امره ونهيه.

 هكذا يكون الشيعيُّ حقاً، متمتثلاً لأمر الله، ومَن لم يكن كذلك.. عليه أن ينظُر لنفسه.. ويعدَّ جواباً لربه.

أجارنا الله من هؤلاء، وثبتنا على ولاية آل محمد عليهم السلام، لتتداوى بولايتهم وبكتاب الله قلوبنا، فتشفى مما أصابها وألمَّ بها.

 والحمد لله رب العالمين.

الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

إقرأ أيضا: من حديث رسول الله (ص)..(28) (سباب المؤمن فسوق ..)