ليلة القدر ... متى موعدها بالتحديد؟

الإثنين 18 إبريل 2022 - 06:56 بتوقيت غرينتش
ليلة القدر ...  متى موعدها بالتحديد؟

اسلاميات - الكوثر: لا شك في أن ليلة القدر هي ليلة نزول القرآن و هي في شهر رمضان بدليل أن القرآن نزل في شهر رمضان المبارك و تحديداً في ليلة القدر لقول الله عزوجل: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ... ﴾ . و لقوله جَلَّ جَلاله في سورة القدر: ﴿ ... إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ . مضافاً إلى قوله سبحانه و تعالى: في سورة الدخان: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ .

و بالجمع بين هذه الايات يتضح أن القرآن الكريم قد نزل بالتأكيد في شهر رمضان و في ليلة القدر، فليلة القدر هي ليلة نزول القرآن و هي في شهر رمضان، لكن أية ليلة من ليالي شهر رمضان هي ليلة القدر تحديداً؟
ليلة القدر في العشر الاواخر:
رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ وَ زُرَارَةَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ‏ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ  عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ... ﴾  إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ؟
قَالَ: "نَعَمْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَ هِيَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَلَمْ يُنْزَلِ الْقُرْآنُ إِلَّا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾  قَالَ يُقَدَّرُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كُلُّ شَيْ‏ءٍ يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ خَيْرٍ وَ شَرٍّ"  .
وَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حَسَّانَ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ‏ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ  عليه السلام عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ- قَالَ اطْلُبْهَا فِي تِسْعَ عَشْرَةَ- وَ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ وَ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ  .
و عن حَسَّانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟
فَقَالَ: "الْتَمِسْهَا فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ أَوْ لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ"  .

ما هي الحكمة من عدم التحديد الدقيق لليلة القدر؟
قد تحصل قناعة لدى المتتبع للاحاديث التي تتحدث عن ليلة القدر بأن النبي ( صلى الله عليه و آله وسلم) و الأئمة ( عليهم السلام ) امتنعوا عن التحديد الدقيق لليلة القدر لأسباب، منها ما هو مذكور في أحاديثهم و منها ما لم تذكر لأسباب خافية علينا، و لعل من أهم تلك الاسباب هو إرادة حث الناس على اغتنام الفرصة الذهبية المتوفرة في شهر الرحمة و الغفران واحياء ليالي هذا الشهر بالعبادة و الذكر و الصلاة و الدعاء و التوجه الى الله الغفور الرحيم، فعن عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  عليه السلام فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا مَا يُرْجَى‏  ؟
فَقَالَ: "فِي إِحْدَى وَ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ".
قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَقْوَ عَلَى كِلْتَيْهِمَا؟
فَقَالَ: "مَا أَيْسَرَ لَيْلَتَيْنِ‏ فِيمَا تَطْلُبُ"؟
قُلْتُ: فَرُبَّمَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ عِنْدَنَا وَ جَاءَنَا مَنْ يُخْبِرُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى؟
فَقَالَ: "مَا أَيْسَرَ أَرْبَعَ لَيَالٍ تَطْلُبُهَا فِيهَا"؟
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ- لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ لَيْلَةُ الْجُهَنِيِ‏  ؟
فَقَالَ: "إِنَّ ذَلِكَ لَيُقَالُ".
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَالِدٍ رَوَى فِي تِسْعَ عَشْرَةَ يُكْتَبُ وَفْدُ الْحَاجِ‏؟
فَقَالَ لِي: "يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَفْدُ الْحَاجِّ يُكْتَبُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ الْمَنَايَا  وَ الْبَلَايَا وَ الْأَرْزَاقُ وَ مَا يَكُونُ إِلَى مِثْلِهَا فِي قَابِلٍ، فَاطْلُبْهَا فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ وَ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ، وَ صَلِّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةَ رَكْعَةٍ وَ أَحْيِهِمَا إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَى النُّورِ  وَ اغْتَسِلْ فِيهِمَا".
قَالَ قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى‏ ذَلِكَ وَ أَنَا قَائِمٌ؟
قَالَ: "فَصَلِّ وَ أَنْتَ جَالِسٌ".
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟
قَالَ: "فَعَلَى فِرَاشِكَ، لَا عَلَيْكَ أَنْ تَكْتَحِلَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ النَّوْمِ، إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفَتَّحُ فِي رَمَضَانَ، وَ تُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ‏، وَ تُقْبَلُ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِينَ، نِعْمَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ، كَانَ يُسَمَّى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص الْمَرْزُوقَ" .
خلاصة القول:

غير أنه بعد التتبع يقوى في النفس أن ليلة القدر هي ليلة ثلاث و عشرين و أن الليالي السابقة هي بمثابة المقدمة و لها دور تحضيري للنفوس لتتهيأ و تستعد للرقي في سلَّم الكمال الروحي مرحلة تلو أخرى فتصل الى ذروة كمالها في ليلة القدر، فقد رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق ع أنه قال: "التَّقْدِيرُ فِي لَيْلَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَ الْإِبْرَامُ‏ فِي‏ لَيْلَةِ إِحْدى‏ وَ عِشْرِينَ، وَ الْإمْضَاءُ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ" .