الأديب واللغوي ابن السكيت في ذكرى استشهاده

الأحد 6 فبراير 2022 - 06:56 بتوقيت غرينتش
الأديب واللغوي ابن السكيت في ذكرى استشهاده

اسلاميات-الكوثر: ابن السكيت، هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السِكّيت الدورقي الأهوازي (186 ــ 244 هـ/ 802 ــ 858 م)، إمام من أئمة اللغة العربية وعالمٌ نحوي وأديب شهير، وراوٍ إماميّ من أصحاب الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام. عُرف أبوه بالسكّيت لأنه كان دائم الصمت.

يُعد ابن السكيت من كبار علماء النحو والأدب العربي. من أهم مؤلفاته كتاب اصلاح المنطق.

وأشهر مواقفه كان حينما سأله المتوكل العباسي: "من أحب إليك ابناي هذان (المعتز والمؤيد)، أم الحسن والحسين؟" فأجاب: (( إنّ قنبر خادم علي(ع) خير منك ومن ابنيك)) مما أدى بذلك إلى قتله.
محتويات

الولادة

ابن السِكّيت، ولد في دورق، بلدة من كور الأهواز في خوزستان، وانتقل مع أسرته إلى بغداد، ويرى آخرون بشيء من الشك أنه ولد ببغداد.

قيل إنّه ولد في سنة 186 هـ.
أبوه

كان أبوه عالما بالنحو واللغة و الشعر أيضا، و يعدّ من أصحاب الكسائي. و كان توّاقا إلى تعلم ولده. وربما كان ذلك بعد هجرته إلى بغداد.
أساتذته

درس ابن السكيت على أساتذة كأبي عمرو الشيباني و الفراء و ابن الأعرابي و الأثرم و نصران الخراساني و هم من مشاهير العلم و الأدب آنذاك. و أمضى فترة مع البدو لتعليم اللغة العربية الفصيحة و الأصلية، كما كان سائدا آنذاك.
في بغداد

وعندما عاد إلى بغداد أخذ يختلف إلى العلماء، كما تولى مع أبيه تأديب صبيان العامة في درب القنطرة ببغداد، ثم انبرى لتعليم أولاد الوجهاء منهم أبناء المتوكل العباسي. ورغم اشتغاله بتدريس مختلف فروع الأدب كالنحو واللغة والشعر والرواية وعلوم القرآن الكريم، إلا أنّه لم ينصرف عن كسب العلم. ولم يلبث طويلا حتى التحق بركب علماء عصره كابن الأعرابي وأبي العباس ثعلب وأضحى من أكابر أهل اللغة والمنطق.
اللغة

و يرى ياقوت الحموي أنّه لم يكن بعد ابن الأعرابي مثله بين اللغويين، في حين يرى أبو الطيب اللغوي أن علم الكوفيين قد انتهى إليه، و أنّه أحسنُ تأليفا من ثعلب. أما ابن تغري بردي فقد نعته بالعلامة. و رغم الإطراء على علمه في اللغة، لكنّه يعتبر نفسه أعلم في النحو منه في اللغة. و لهذا يجب التريّث عند بعض التقارير التي أشارت إلى ضعفه، و منها مناظرته أبا عثمان المازني بحضرة عبد الملك بن الزيات أو على قول بحضرة المتوكل ـ و تعرضه للتقريع بسبب إفحام المازني له، فمن الممكن أن تكون مختلقة و ناجمة عن الصراعات المحتدمة آنذاك بين المدراس النحوية و الطوائف الدينية.
فضله على الشعر

و فضلا عن نشاطاته الواسعة في النحو و اللغة، فإنّه لعب دورا مهما في حركة جمع الشعر العربي و تدوينه، و التي بدأت قوية في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، و استمر نشاطه في البصرة والكوفة و بغداد حتى أواخر القرن الثالث الهجري. و كان تلميذا للأصمعي و أبي عبيدة معمر بن المثنى ـ اللذين كانا من روّأد هذه النهضة ـ وكان يروي عنهما، فبادر بعدهما إلى جمع الدواوين والآثار المبعثرة لكثير من الشعراء القدامى، لا سيما امرؤ القيس و زهير بن أبي سلمى و النابغة الذبياني و الأعشى و عنترة بن شدّاد ورفة بن العبد وعمرو بن كلثوم وعدد كبير من شعراء العهد الأموي، و التي تعدّ من الذخائر النفيسة في الأدب العربي، و انتشلها من بحر النسيان و الضياع. و فضلا عن جمعه لتلك الآثار، فقد اهتم أيضا بشرح و تفسير بعضها. و قلّما نجد ديوانا لم يروه (شفهيا أو تحريريا) أو يشرحه و يفسره. و بذلك قدّم خدمة جليلة للأدب العربي بحفظه لهذه الثروة العظيمة من الاندثار، و يمكن القول بثقة إنّ له الحظ الوافر في هذا المضمار قياسا بأقرانه. و كان ينشد الشعر أيضا، و هو ما أثنى عليه الذهبي، و تضم آثار أبي حيان التوحيدي، والخطيب البغدادي، و الشمشاطي، وابن خلكان، وابن شاكر، و أبي حيان الغرناطي عشرين بيتا له.
الحديث

و كان ملتزما بالسنة النبوية، لذلك نجده ـ فضلا عن قيامه بجمع الشعر و تدوينه ـ ينكبّ أيضا على نقل الروايات الدينية. و وصفه الذهبي بأنّه ديّن خيّر، و أشارت بعض المصادر أيضا إلى أنّه ضحّى بنفسه حبا لأهل البيت (عليهم السلام). وعدّه النجاشي من المتقدمين عند الإمامين محمد التقي وعلي النقي (ع) وكانا يختصانه، وأشار إلى روايته عن الإمام محمد التقي (ع). وهناك روايات تتحدث عن لقائه بالإمام علي بن موسى الرضا (ع). وكان راوية ثقة يعتمد عليه علماء الرجال.
من تعلم منه

قرأ عليه كثيرون أشهرهم أبو البشر البندنيجي، و الحراني الذي قال إنه كتب عن ابن السكيب منذ سنة 225 هـ إلى أن قتل،  و أبو سعيد السكري، و أبو عكرمة الضبي، و أبو حنيفة الدينوري. كما روى عنه جم غفير كأبي العباس ثعلب النحوي الشهير، و أحمد بن فرج المقريء، و محمد بن عجلان الأخباري، و ميمون بن هارون الكاتب.

في سامراء

و عندما قدم سامراء حظي باهتمام عبدالله بن يحيى بن خاقان الذي سرعان ما أطلع المتوكل على مكانته العلمية، فضمّ إليه ولديه المؤيد و المعتز لتعليمها (الخطيب، ن.ص). رغم تحذير بعضهم له من الدخول إلى بلاط المتوكل، و ما ينسبه آخرون إليه من تعصب شيعي شديد، إلا أنّه أمضى فترة من حياته في ذلك البلاط، و ذكر الذهبي أنّه كان يتقاضى ألفي درهمي شهريا، فضلا عن الهدايا الثمينة التي كانت تمنح له بين فترة و أخرى، حتى إن المتوكل أمر له يوما بخمسين ألف درهم. و أخذ يزداد قربا من الخليفة حتى أصبح من ندمائه.
السبب في قتله

و أجمعت أكثر المصادر على أنّه قتل بسبب ما أعلنه من ولاء لآل علي (ع) أمام المتوكل حينما سأله: " من أحب إليك ابناي هذان (المعتز و المؤيد)، أم الحسن والحسين"، و رغم عمله بالتقية ، إلا أّنه فقد الإختيار فأجاب: "إن قنبر خادم علي خير منك و من ابنيك"، فغضب المتوكل و أمر في الحال بسل لسانه من قفا . وكان استشهاده في الخامس من شهر رجب سنة 244 للهجرة.

       لقد عمل ابن السكيت ما أملاه عليه إيمانه وولاؤه وتشيّعه وإخلاصه فكان خير مصداق لحديث النبي (ص) أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر

لم يعبأ ابن السكيت لما سيؤول إليه مصيره ولم يهن ولم يداهن رغم علمه بسطوة المتوكل وبطشه وظلمه وغطرسته ففضل الموت بأبشع طريقة على إصلاح دنياه وإفساد دينه وإرضاء الخليفة وإغضاب الله والنبي وآل بيته (صلى الله عليهم اجمعين) فكان ممن حمل العلم والعمل معا حتى توجهما بالشهادة في سبيل الله

إنه من الأبطال الأفذاذ الذين لا يجود بهم الزمان إلا قليلا وما أحراه بقول المتنبي:

وتركُكَ في الدنيا دويّاً كأنما   ***   تداول سمع المرءِ أنمله العشرُ

أجل لقد ترك ابن السكيت صوته مدوِّياً في الأجيال واختار لنفسه الكرامة الأبدية على حياة المداهنة, فرغم أنه في حالته تلك كان يجوز له أن يتقي ويحقن دمه إلا أنه فضل إحقاق الحق على نصرة الباطل.

مصنفاته المطبوعة
من أشهر كتب ابن السكيت.

    إصلاح المنطق ، كتاب في اللغة و من أشهر آثاره، و قد أثار من بعده اهتمام علماء اللغة و إطراءهم لفترة طويلة، و كان مرجعا لهم.

ضبط المؤلف في هذا الكتاب كثيرا من الكلمات العربية، و تناولها من حيث الصرف و الفصاحة و عدم الفصاحة و الندرة و الشذوذ و غيرها. و يعدّ هذا الأثر من أكثر كتب اللغة اعتبارا، و يؤيد ذلك الشروح و التلخيصات الكثيرة التي كتبت عليه، تناول سزكين شروحه و تلخيصاته و الردود عليه بإسهاب طبع لأول مرة بالقاهرة (1368 هـ/ 1949 م) بتحقيق عبد السلام محمد هارون و أحمد محمد شاكر، ثم أعيد طبعه فيها أيضا عام 1956 م.

    الأضداد، ويتناول شرح معاني الكلمات المتضادة، طبع ببيروت في 1912م مع أثرين آخرين للأصمعي و السجستاني بعنوان ثلاثة كتب في الأضداد بتحقيق أوغست هفنر، وأعيد طبعه فيها عام 1980 م.
    الألفاظ، كتاب في الكلمات المتشابهة في 148 فصلا، و هو مبوّب موضوعيا كالغنى و الخصب، الفقر و الجدب، و الجماعة، و الكتائب و غيرها.

و أورد ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب أغلب فصوله دون الإشارة إلى الأثر واسم ابن السكيت. طبع ببيروت باسم تهذيب الألفاظ مع إضافات من نسخ مختلفة (1896ـ1898م). و للكتاب اسم آخر هو كنز الحفاظ، و يبدو أنه غير الكتاب الذي أورده الأزهري وبنفس الاسم و قال إنه يتألف من 30 مجلدا. وطبع شيخو مختصر تهذيب الألفاظ مع تعليقات ببيروت في 1897 م.

    القلب و الإبدال، طبع ببيروت في 1903م، عني بنشره أوغست هفنر، ثم طبع في لايبزيك عام 1905م ضمن مجموعة الكنز اللغوي في اللسن العربي، و في القاهرة عام 1978 م باسم الإبدال بتحقيق محمد شرف.
    شرح ديوان حطيئة، نشر لأول مرة بالقاهرة عام 1958م، و أعيد طبعه عام 1987م بتحقيق نعمان محمد أمين طه.
    شرح ديوان الخنساء، طبع ببيروت عام 1986م بتحقيق لويس شيخو.
    ديوان طرفة بن العبد برواية ابن السكيت، طبع بقازان عام 1909م، تحقيق أحمد بن الأمين الشنقيطي.
    شرح ديوان عروة بن الورد، طبع لأول مرة بالقاهرة في 1923م ضمن مجموعة مشتملة على 5 دواوين، و أعيد طبعه بدمشق بتحقيق عبد المعمين الملوحي.
    شرح ديوان قيس بن الخطيم، طبع في لاينزيك (1914م) تحقيق كوفالسكي.
    شرح ديوان المزرد، طبع و نشر في بغداد (1962م) بتحقيق خليل إبراهيم عطية.
    شرح ديوان النابغة الذبياني، طبع لأول مرة في بيروت (1968م) بتحقيق شكري فيصل، ثم في تونس (1976م) بتحقيق محمد طاهر بن عاشور.

كما طبع جزء من كتاب المثنى و المكنى باسم كتاب الحروف التي يتكلم بها في غير موضعها بتحقيق عبد التواب بالقاهرة عام 1969م.
مصنفاته المخطوطة

    البحث، توجد 4 نسخه منه في دار الكتب بالقاهرة.
    المقصور و الممدود، توجد نسخة منه بمكتبة عارف حكمت بالمدينة بكتابة أبي يوسف، و لم تتضح صحة انتسابه لابن السكيت
    منطق الطير ومنطق الرياحين، توجد نسخة منه بمكتبة الروضة الرضوية.

بعض ما نسب إليه من الكتب

    الإبل 

    الأجناس الكبير

    كتاب الأرضين و الجبال و الأودية

    الأصوات

    الأمثال

    الأنساب

    الأنواع

    الأيام و الليالي

    البيان

فسلام على أبو يوسف يعقوب ابن السكيت يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا