عبادة بن الصامت بن قيس بن فهر بن قيس بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي ، كنيته أبو الوليد ، ولد في سنة 38 قبل الهجرة النبوية الشريفة . كان عبادة فاضلاً خيراً ، وقد كان في زمن الجاهلية من القواقل ، وسموا بذلك ، لأنَّهم كانوا في زمن الجاهلية إذا نزل بهم الضيف قالوا له : قوقل حيث شئت ، أي اذهب حيث شئت فإنَّ لك الأمان ، لأنَّك في ذمتنا . كان أحد نقباء الأنصار الذين بايعوا الرسول (صلى الله عليه وآله) في العقبة الأولى والعقبة الثانية ، وكان من أوائل أهل المدينة الذين اعتنقوا الإسلام، وأصبح من سادات الصحابة.
شهد الصحابي الجليل عبادة الأنصاري بدراً والمشاهد كلّها مع رسول الله (ص)، كما استعمله النبي (ص) على بعض الصدقات، وكان أحد الخمسة من الأنصار الذين جمعوا القرآن الكريم في زمن النبي (ص) . هو أوّل من تولى القضاء في فلسطين ، وشهد فتح مصر ، وكان أمير ربع المدد وكان من المنكرين على معاوية بن ابي سفيان وسياسته ، فأغلط له معاوية في القول، فقال عبادة: (لا أساكنك بأرض واحدة، ورحل إلى المدينة) .
وجاء في صحيح مسلم ج 3: ص 398 في كتاب المساقاة: حدّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا: آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في اُعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله (ص) ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح، إلاّ سواء بسواء، عيناً بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى. فردّ الناس ما أخذوا، فبلغ معاوية فقام خطيباً فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث قد كنّا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا عن رسول الله (ص) وإن كره معاوية (أو قال: وإن رغم)، ما اُبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.
وجاء في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر ص 26: عن عبيد بن رفاعة قال: مرّ على عبادة بن الصامت وهو في الشام قطارة تحمل الخمر، فقال: ما هذه، أزيت؟ قيل: لا، بل خمر تباع لفلان فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلاّ بقرها، وأبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلان الى أبي هريرة يقول له: أما تمسك عنّا أخاك عبادة! أما بالغدوات فيغدو الى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي فيقعد في المسجد ليس له عمل إلاّ شتم أعراضنا أو عيبنا، فأمسك عنا أخاك، فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال له: يا عبادة، ما لك ولمعاوية ذره وما حمل، فإن الله يقول: (تِلكَ اُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لها ما كسبتْ وَلكمْ ما كسبتُمْ).
قال: يا أبا هريرة، لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله (ص)، بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا، ولنا الجنة، فهذه بيعة رسول الله (ص) التي بايعناه عليها، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما بايع عليه رسول الله (ص)، وفى الله له بما بايع عليه نبيّه، فلم يكلمه أبو هريرة بشيء.
وروي ان الصحابي الجليل عبادة بن الصامت كان مع معاوية يومًا، فقام خطيب يمدح معاوية، ويثني عليه، فقام عبادة بتراب في يده، فحشاه في فم الخطيب، فغضب معاوية. فقال له عبادة: «إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله (ص) بالعقبة على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم بالحق حيث كنا، لا نخاف في الله لومة لائم. وقال رسول الله (ص): «إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في أفواههم التراب». فكتب معاوية إلى عثمان بن عفان: «إن عبادة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام»، فكتب إليه عثمان أن يُرحّل عبادة حتى يُرجعه إلى داره بالمدينة .
ونقل عن الامام الرضا (عليه السلام) أنه قال في عبادة : إنَّه من الذين مضوا على منهاج نبيّهم (صلى الله عليه وآله) ولـم يبدلوا . توفي سنة 34 هـ في الرملة من أرض الشام ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة ، ودفن في بيت المقدس .
إقرأ أيضا: رجال حول أمير المؤمنين (ع).. (48) عدي بن حاتم الطائي رجل المواقف الصلبة