إيمانه وولاؤه:
كان عديّ بن حاتم على جانب عظيم من الوثاقة، ومن خُلَّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، ومن بعده وَلدِه الإمام الحسن عليه السّلام. وكانت له مواقف مشرّفة وكلمات صادقة تحكي مدى إيمانه بالله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله، وشدّة انشداده إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.
ويُعلم جلالته وثباته في نصرة الدين.. أنّه لمّا خطب الإمام الحسن عليه السّلام ودعا الناس إلى الخروج إلى الجهاد ضدّ معاوية، ما تكلّم أحد منهم ولا أجابه بحرف، فلمّا رأى عديّ ذلك قام فقال: أنا ابن حاتم، سبحان الله ما أقبح هذا المقام!... ثمّ خرج إلى « النُّخَيلة »، فكان أوّلَ الناس عسكراً. ثمّ قام: قيس بن سعد بن عُبادة الأنصاريّ، ومَعقِل بن قيس الرياحيّ، وزياد بن حفصة التميميّ، فأنَّبوا الناسَ ولاموهم وحَرّضوهم، وكلّموا الإمام الحسن عليه السّلام بمثل كلام عديٍّ، فقال لهم الإمام عليه السّلام: صَدَقتُم رحمكمُ الله، ما زلتُ أعرفكم بصدق النيّة والوفاء والقبول والمودّة الصحيحة، فجزاكمُ اللهُ خيرا.
وكان يوم الجمل مع أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وفُقِئت عينُه واستشهد ولده محمّد. وشهد صفين مع أمير المؤمنين عليه السّلام أيضاً، وله فيها مواقف شكرها له مولاه سلام الله عليه، وكانت راية قُضاعة وطَيّء معه وهو الأمير عليهم. وصحِب بعده الإمامَ الحسن عليه السّلام وقام معه للحرب، ولازمه إلى زمان الصلح.
وكان عديّ بن حاتم الطائيّ ممن اعتقدوا ورَوَوا أنّ الأئمّة بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله اثنا عشر إماماً، كلّهم من قريش. وفي مناشدة أمير المؤمنين عليه السّلام حين قال: أُنشد اللهَ مَن شَهِد يومَ غدير خُمّ إلاّ قام، ولا يقوم رجل يقول نُبّئتُ أو بلغني، إلاّ رجلٌ سمِعت أُذُناه ووعاه قلبه. فقام سبعة عشر رجلاً منهم: عَدِيّ بن حاتم.. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: هاتوا ما سمعتم. فنقلوا واقعة الغدير حتّى انتهَوا إلى القول: ثمّ أخذ صلّى الله عليه وآله بيدك يا أمير المؤمنين، فرفعها وقال: مَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه. فقال عليٌّ عليه السّلام: صدقتُم، وأنا على ذلك من الشاهدين.
شجاعته:
كان عدِيّ بن حاتم ذا إقدام قتاليّ وخبرة بشؤون الحرب وممارسة قديمة في المواجهات في عهد الجاهليّة.. لكنّ الأدوار المتميّزة والوقائع العظيمة كانت له أيّام حروب أمير المؤمنين عليه السّلام ضدّ الناكثين والقاسطين والمارقين. فتولّى مناصبَ حسّاسةً ومواقع مهمّة في المعارك.
فحين رأى أميرُ المؤمنين عليه السّلام أنّ القتال حول الجمَل قد اشتدّ.. جمع إليه حُماةَ أصحابه وقال لهم: اعقُروا الجمَل. فخرج مالك الأشتر وعدِيّ بن حاتم وعمّار بن ياسر وعمرو بن الحَمِق.. في عدد من أصحابهم فشدّوا على الجمل، وقاتلَ عديّ حتّى فُقِئت إحدى عينيه.
وحين استشار أميرُ المؤمنين عليه السّلام الناسَ في المسير إلى معاوية.. أشاروا عليه بعدم المسير، سوى نفرٍ من خاصّته.. منهم عديّ بن حاتم الطائيّ.
ولمّا كانت واقعة صِفّين.. أقلقت بطولات عديٍّ وأمثاله معاويةَ بن أبي سفيان، فقال لأصحابه حين تعاظمت عليه الأُمور: إنّه قد غَمّني رجال من أصحاب عليّ، منهم: سعيد بن قيس في هَمْدان، والأشتر في قومه، والمِرقال وعَديّ بن حاتم وقيس بن سعد في الأنصار.
ولمّا استُشهد عمّار بن ياسر نادى أمير المؤمنين عليه السّلام: أيّها الناس، مَن يَشْرِ نفسَه لله يَربَح.. هذا يوم له ما بعده، إنّ عدوّكم قد مَسّه القَرح كما مسّكم. فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفاً، قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم وتقدّمهم الإمام عليّ عليه السّلام منقطعاً على بغلة رسول الله... وتبعه عديّ بن حاتم بلوائه... وتقدّم الأشتر... وحمل الناس حملةً واحدةً فلم يبق لأهل الشام صفٌّ إلاّ انتقض، وأهمدوا ما أتوا عليه حتّى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية... فدعا معاوية بفرسه لينجوَ عليه.
وحين كُتب كتاب الصلح بين أمير المؤمنين عليه السّلام ومعاوية، وضُرب فيه أجل محدود ومدّة معلومة، قال أيمن بن خُريم مخوِّفاً أهلَ الشام بأنّ لعليٍّ عليه السّلام وأصحابه وثبةً لا ينجو منها معاوية ولا أصحابه، فهدّدهم بأبطال العراق: الأشتر وعديّ بن حاتم وأشباههما من حُماة أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام قائلاً:
أما والذي أرسى ثَبيراً مكانَهُ وأنزلَ ذا الفُرقانَ في ليلةِ القَدْرِ
لَئن عَطَفت خيلُ العراق عليكمُ وللهِ لا للناسِ عاقبةُ الأمرِ
تَقحّمها قُدْماً عَدِيُّ بن حاتِمٍ والاشترُ يَهدي الخيلَ في وضَحِ الفجرِ
.. إلى آخر أبياته، فلما سمع القوم كَفّوا عن الحرب.
إقرأ أيضا: رجال حول أمير المؤمنين (ع).. (46) عدي بن حاتم الطائي(رضوان الله عليه)