لم تكن المساواة معروفة في العهود القديمة لإن الناس كانوا ينقسمون الى طبقاتٍ اجتماعيّة وفئات وكانت "الخاصة" تستأثر بالأموال والمناصب وتشكل بطانة الحاكمين.
وقد حملت تعاليم الاسلام مبدء المساواة على اكمل وجه وإن لم يكن هذا المبدء قد طُبق إلّا في فترةٍ بسيطةٍ خلال التاريخ الأسلامي فإنّ الاسلام أعتبر الناس متساوين في دمائهم حيث يقول النبي الاكرم(ص): (اَلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَ هُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ)
كما اعتبر الاسلام الناس متساوين في سائر حقوقهم حيث قال الرسول (ص): (الناس سواسية كأسنان المشط الواحد لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى).
أما أميرالمؤمنين الامام علي(ع) فقد كافح من أجل ترسيخ هذا المبدء في زمنٍ كانت القبلّية والوجاهة قد أستعادت من انفسها ما كان الرسول (ص) قد أخمد.
فقد أقام الامام علي(ع) المساواة في التكاليف ولم يرش بها أحداً، وطالب عُمال عثمان بالمال الذي حصلو عليه دون غيرهم من المسلمين بدون وجه حقٍ من كان منهم من بني أميّة أو من غيرهم، وفرض التكاليف على الجميع بشكلٍ عادلٍ وعلى أمولهم لاعلى أيّ اساسٍ آخر.
وقد طبقّ أبوبكر مبدء المساواة فى العطاء ولكن عمر بن الخطاب راى رأيّاً آخر، فوزّع العطاء بشكلٍ متفاوت، فّقسم المسلمين إلى طبقاتٍ على أساس النسب والسابقة، فتمايزت الحُصص وتفاوت العطاء بين المسلمين وكانت الحصص تتراوح بين مائتي درهم و أثني عشر ألف درهم.
فكان يُعطي العباس بن عبد المطلب وعائشة ام المؤمنين سوّياً لكل منهما أثني عشر ألف درهم، ولكل واحدة من نساء النبى(ص) الأخريات عشرة الآف. أما المهاجرون فالبدريون نال الواحد منهم خمسة الآف فيما نال الواحد من بدريىّ الأنصار أربعة الآف وأما مُسلموا ما بين اُحدٍ الى الحديّبية فكان عطاء الواحد منهم أربعة الآف، وبعد الحديبية ثلاثه الآف، وأما مُسلموا ما بعد وفاة الرسول(ص) فقد نالوا حسب الأحوال (2500و2000و1500و1000و2000) (تاريخ الطبرى 3/108و نهج البلاغه شرح ابن ابى الحديد ج 12 الطعن الخامس على عمر)
واستفاد عثمان من هذا الأجتهاد، ودفع به حتّى حدود غير معقولة فأخذ يخصُّ أقاربه ومريديه بأموالٍ لاعهد للعرب بها في ذلك العصر، ومنهم من كان مطروداً من قبل رسول اللّه (ص)، فكان من جملة عطاءاته مثلاً أن أعطى الحكم بن ابي العاص وهو عمه وكان رسول اللّه(ص) قد أهدر دمه ثُمّ طرده اعطاه مئة ألف، وأعطى مروان بن الحكم صهره فَدَكاً، وهي حُصة سيّدة النساء فاطمة الزهراء(ص) من أبيها (ص)، إضافة الى خُمس أرمينيا ومئة ألف درهم، واعطى عبداللّه بن خالد بن اُسيد بن أبى العاص أربعمائة ألف درهم، أما عبداللّه بن سعد بن أبي سرح الذي ادّعى أنه زوّر في كتابة القرآن الكريم، والذي كُلّف بقتل مُحمّد بن ابي بكر، فقد نال من عثمان إمارة حمص ثُمّ ولاية مصر أضافةً الى خُمس أفريقيا، كما نال أبو سفيان (رأس الكفر واضلال) في أحدى الأعطيات مائي ألف، وجرى تقسيم أموال العراق بين أقاربه، كما أقطع أبن عمه الحرث بن الحكم بن أبي العاص سوق في المدينة يعرف بمهزور، وكان وقفاً على مصالح المسلمين، وزوّجه أبنته ونّقطه بمائة ألفٍ، ثُمّ أعطى أبنته جواهر كسرى لتتحلى بها، وهي الجواهر التي غُنمت واُرسلت الى المدينة في عهد عُمربن الخطاب فلم يستطع قسمتها كما لم يستطع أَحدٌ شرائها ليوزع الثمن على المسلمين فيقيّت، هذا وقد أصبح الزبير بن العوام يمتلك مباني في الكوفة والبصرة ومصر إضافة الى اراضي عظيمة ومائة فرس ومائة أمة وخمسين ألف دينار.
وكان دخل صلحة بن عُبيد اللّه من العراق ألف دينار بُوميّاً، وقد أمتلك القُصور في المدينة والكوفة، وكان عبد الرحمن بن عوف يمتلك نصف مليون دينار إضافة الى إبلٍ وخيل. (طبقات أبن سعد:3:44، تاريخ الطبرى 3:37-433 ط الاعلمي).
فلمّا حكم الأمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أعاد المُساواة بين الجميع في العطاء بين العربي والأعجمي وبين سيّد القوم وسائر الناس، وبين من أسلم حديثاً أو قديماً تماماً كما كان رسول اللّه (ص) فثارت ثائرة الزعماء ضده.
وقال الامام علي (ع): (ألا إنّه من أستقبل قبلتنا وأكل ذيبحتنا وشهد أن لا إله الّا اللّه وأن مُحمّداً عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن وأقسام الاسلام).
ومن خطبة له عندما عوتب على التسوية في الفيء فقال: (فأما هذا الفيء فليس لأحد فيه على أحد أثرة، قد فرغ الله عز وجل من قسمه، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله، به أقررنا، وعليه شهدنا، وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا، فسلموا رحمكم الله، فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء ).
سلام الله عليك يا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، يا من قال فيك رسول الله (ص):(علي مع الحق والحق معه يدور حيث دار، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
إقرأ أيضا: من حديث رسول الله (ص)..(26) (قتال المؤمن كفر وأكل لحمه معصية)