ولادته المباركة:
في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك أعلن البيت النبوي في المدينة المنورة، نبأ ميلاد السبط الاول، وزفت بالبشری إلی المصطفی محمد (صلى الله عليه وآله)، فَهَبَّ الی بيت الزهراء (عليها السلام)، ليحمل لها تهانيه ويقضي لها بمسرَاته.. وما ان وصل الرسول الاکرم(ص) إلی بيت الزهراء(ع) حتی تنزَل الوحي الالهي المقدَس علی رسول الله (ص) يبلَغه بأن الله تعالی قد سمَی الوليد المبارك (حسناً).
النبي (ص) يحب الحسن (ع):
عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله (ص) حامل الحسن بن علي (عليهما السلام) على عاتقه، فقال رجل: نِعمَ المركب ركبت يا غلام، فقال النبي (ص):- ونِعمَ الراكب هو.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص):- الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.
وعن عبد الله بن عمر قال:- سمعت رسول الله (ص)يقول:- هما ريحانتاي من الدنيا.
وعن البراء بن عازب يقول: رأيت النبي (ص) واضعاً الحسن (ع) على عاتقه، وقال: (من يحبني فليحبّه).
وعن أبي هريرة عن النبي (ص) أنّه قال للحسن (ع):- (إنّي أحبّه، اللّهمَّ إني أحبّه وأحبّ من يحبّه).
وعن عبد الله بن شدّاد عن أبيه، قال:- خرج علينا رسول الله (ص) في إحدى صلاتّي العشاء وهو حامل حسناً، فتقدّمَ النبي (ص) للصلاة فوضعه ثمّ كبّر وصلّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة فأطالها، قال أبي:- فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله (ص) وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي فلمّا قضى رسول الله (ص) صلاته قال الناس: يا رسول الله إنّك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدةً أطلتها حتّى ظننّا أنّه قد حدث أمراً وأنّه يوحى إليك! قال رسول الله (ص):- (كلّ ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني, فكرهت أنْ أُعجّله حتّى ينزل).
نشأته المباركة:
نشأ الوليد في كنف الرسول الأعظم (ص)، وتغذى من معين رسالته وأخلاقة وسماحته وورث عنه (ص) هديه وأدبه وهيبته وسؤدده، مما اهله للإمامة التي كانت تنتظره بعد أبيه (ع)، كما وتربى تحت ظلال الوصي علي بن أبي طالب عليه السلام، وفي رعاية الزهراء (ع)، ليأخذ من نبع الرسالة كلّ معانيها، ومن ظلال الولاية كلّ قِيَمِها ومن رعاية العصمة كلّ فضائلها ومكارمها.
موقعه الرسالي:
الإمام أبو محمد، الحسن المجتبی بن علي بن أبي طالب، ثاني أئمة اهل البيت (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلی الله عليه وآله)، وسيد شباب أهل الجنة باجماع المحدثين، واحد اثنين انحصرت بهما ذرية رسول الله (ص)، وأحد الاربعة الذين باهی بهم رسول الله (ص) نصاری نجران، ومن المطهَرين الذين أذهب الله عنهم الرجس، ومن القربی الذين أمر الله سبحانه بمؤدتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسك بهما نجا ومن تخلَف عنهما ضلَ وغوی (، وقد صرَح جدَه في أکثر من مناسبة حينما قال (الحسن والحسين إمامان قاما او قعدا، اللهم إني احبَهما فاحبَ من يحبَهما).
دوره القيادي:
لقد اجتمع في هذا الامام العظيم شرف النبوة والإمامة، بالاضافة إلی شرف الحسب والنسب، و وجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدَه وأبيه حتی کان يذکَرهم بهما، فأحبوه وعظَموه، وکان مرجعهم الأوحد بعد أبيه، فيما کان يعترضهم من مشاکل الحياة وما کان يستصعبهم من اُمور الدين، لاسيما بعد ان دخلت الأمة الإسلامية حياة حافلة بالاحداث المريرة التي لم يعوفوا لها نظيرا من قبل.
وکان الإمام الزکي المجتبی في جميع مواقفه ومراحل حياته، مثالا کريما للخَلق الإسلامي النبوي الرفيع في تحمل الاذی والمکروه في ذات الله والتحلي بالصبر الجميل والحلم الکبير، حتی اعترف له ألد أعدائه (مروان بن الحکم) بان حلمه يوازي الجبال. کما اشتهر بالشجاعة والسماحة والکرم والجود والسخاء بنحو تميَز عن سائر الکرماء والاسخياء.
وشاهد الامام الحسن (ع) کل المحن، من فقده لمعلمة الأول جده المصطفی (ص) أمه الزهراء (ع) ثم تجرع النکبات التي حلت بابيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) والظلم الذي تعرض له، وهو لايزال يافعا.
عبادته (ع):
عن الامام جعفر الصادق (ع): حدّثني أبي، عن أبيه (ع): (أنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ع)، كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ، حجّ ماشياً، وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصِراط بكى، وإذا ذكر العَرْض على الله، تعالى ذكره، شَهِق شَهْقة يُغشى عليه منها. وكان إذا قام في صلاته، ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنّار، اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله تعالى الجنّة، وتعوّذ به من النّار.
وذكر في المناقب أنّه كان (ع) إذا توضّأ، ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك، فقال: (حقٌ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه، وترتعد مفاصله).
وكان عليه السلام إذا بلغ باب المسجد، رفع رأسه، ويقول: (إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي، بجميل ما عندك يا كريم).
وعن الامام الصادق (ع)، أنّ الحسن بن عليّ (ع) حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً، وقاسَم الله تعالى ماله مرّتين. وفي خبر: قاسَم ربّه ثلاث مرّات، وحجّ عشرين حجّة على قدميه.
وعن الإمام الرضا (ع)، عن آبائه، قال: (لمّا حضرت الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ع) الوفاة بكى، فقيل له: يا ابن رسول الله أتبكي، ومكانك من رسول الله (ص) الذي أنت به؟ وقد قال فيك رسول الله (ص) ما قال؟ وقد حججت خمسا عشرين حجّة ماشياً ؟ وقد قاسمت ربّك مالك ثلاث مرّات حتّى النعل والنعل؟ فقال عليه السلام: (إنّما أبكي لخصلتين: لهول المطلع وفراق الأحبّة).
فضائله ومناقبه:
وروي أنّ شاميّاً رآه راكباً، فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلمّا فرغ أقبل الامام الحسن (ع) عليه وتبسّم، وقال: (أيّها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلّك شبَّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنياك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرَّكت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كبيراً)، فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثمّ قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم.
وروي أن الامام الحسن (ع) مرّ على فقراء، وقد وضعوا كسيرات على الأرض، وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلمَّ يا ابن بنت رسول الله إلى الغداء، فنزل، وقال: (إنّ الله لا يحبّ المستكبرين)، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا، والزاد على حاله ببركته، ثمّ دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم.
في الحلقة القدمة سوف نستعرض قبسات من حياة الامام الحسن الزكي (ع) وقوفه مع ابيه أمير المؤمنين (ع) وخلافته وجهاده والصلح مع معاوية سليل الجاهلية، استشهاده (عليه السلام).