"قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"1.
أ- في كنف الآية: تبيّن لنا الاية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يريد أجراً ولا جزاءً على ابلاغ الرسالة إلا مودة أهل بيته عليهم السلام، ومودتهم ترتبط بقضية الولاية وقبول قيادتهم عليهم السلام حيث تعتبر في الحقيقة استمراراً لقيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمراراً للولاية الإلهية، ومن الواضح أن قبول هذه الولاية والقيادة كقبول نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستكون سبباً لسعادة البشرية نفسها وستعود نتائجها إليها وهي التي تعبّد الطريق للوصول إلى الخالق، وكون المودة المطلوبة بمستوى الرسالة دليل على وجوب الطاعة، وعلى هذا الأساس إن الاية تعني استمرار الرسالة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة الأئمة عليهم السلام الذي هم جميعاً قرابته ومن عائلته، ولأن المودة أساس هذا الارتباط أشارت لها الاية بصراحة.
والذي نبحثه في هذا العنوان هو كيف نتمسك بخط أهل البيت عليهم السلام ونتبعهم اتباعاً حقيقياً صادقاً، ونكتب من الدعاة لهم والسائرين على نهجهم والمسلّمين لأمرهم. هذا ما نجيب عنه عبر تعداد الوظائف والواجبات التي توصلنا إلى المقصود. مع معرفتنا لما ورد في الحديث: "رضا اللَّه رضانا أهل البيت".
ب- هكذا أتبعهم:
أولاً: معرفة الأئمة عليهم السلام
أعرفهم لا بأسمائهم وأنسابهم فقط وزمان الولادة ومكان الشهادة، بل بمعرفة مقاماتهم ومراتبهم التي رتبهم اللَّه فيها وسيرتهم لنقتدي بهم يقول الصادق عليه السلام: "وأدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إلا درجة النبوة) ووارثه وإن طاعته طاعة اللَّه وطاعة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم والتسليم له في كل أمر والرد إليه والأخذ بقوله"2 وأما مع عدم معرفتهم كذلك، ينتفي الإيمان في الحديث: "لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف اللَّه ورسوله والأئمة كلهم وأمام زمانه ويردّ إليه ويسلّم له"3.
ثانياً: الثبات على الولاية
ورد عن الباقر عليه السلام: "يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن ينادي بهم الباري جل جلاله فيقول: عبيدي وإمائي امنتم بسري وصدّقتم بغيبي فأبشروا بحسن الثواب مني، أي عبيدي وإمائي حقاً منكم أتقبل وعنكم أعفو ولكم أغفر وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء لولاكم لأنزلت عليهم عذابي"4.
ثالثاً: الالتزام بالأحكام الشرعية
فيما جاء عن الصادق عليه السلام: "شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكون أموالهم ويحجون البيت ويجتنبون كل محرم"5.
رابعاً: البراءة من أعدائهم عليهم السلام
ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "يا علي والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية، لو أن عبداً عبد اللَّه ألف عام ما قبل ذلك منه إلا بولايتك وولاية الأئمة من ولدك وإن ولايتك لا تقبل إلا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك بذلك أخبرني جبرئيل فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"6.
خامساً: ذكر فضائلهم
وهو من الأمور التي ينبغي أن لا يتوانى الواحد منّا عن القيام بها في أي مجتمع كان سواء بين أقاربه وجيرانه أو في الجامعة أو المدرسة أو في مكان العمل أو في السيارة، وذكر فضلهم مما يبعد الشيطان عن الإنسان يقول مولانا الكاظم عليه السلام: "وإن المؤمنين يلتقيان فيذكران اللَّه ثم يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلا تخدّد حتى أن روحه تستغيث من شدة ما يجد من الألم"7.
سادساً: طلب العلم
إن طلب العلم من الأمور اللازمة على أتباع أهل البيت عليهم السلام في كل زمان ومكان والتعلم أمر لا بد منه في موالاتهم والسير في ركبهم فقد ورد عنهم عليه السلام: "يغدو الناس على ثلاثة أصناف عالم ومتعلم وغثاء فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غُثاء"8 والعمل بدون علم سبب للإفساد والضياع فعن الصادق عليه السلام: "من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح"9. وهم صلوات اللَّه عليهم معادن العلم وأصول الحكم يقول الباقر عليه السلام: "شرّقاً وغرّباً لن تجدا علماً صحيحاً إلا شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت"10.
سابعاً: قبول أحاديثهم عليهم السلام
إن الأحاديث التي يرويها الثقات عن أهل البيت عليهم السلام هي حجج شرعية لا يجوز رفضها وردّها ومن يردّها فإنما يردّ عليهم عليه السلام والراد عليهم رادٌّ على اللَّه تعالى ومن وصايا مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف عدم التشكيك بهذه الأحاديث فضلاً عن عدم الردّ، جاء في توقيعه: "لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤديه عنا ثقاتنا"
11. ثامناً: طاعة الولي الفقيه
وهي من الأمور الثابتة والمهم فيها هو الاجتماع تحت رايته حيث أرادنا أهل البيت عليهم السلام مجتمعين غير متفرقين متحابين متباذلين كأفضل ما يكون عليه الأخوان في اللَّه تعالى، ملتزمين بأوامر الولي الفقيه. مسلّمين له ليأخذ بأيدينا في غيبة مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف كي لا تتفرق بنا السبل، فمن ردّ عليه ردّ عليهم عليه السلام وحينئذٍ كيف يكون تابعاً لهم؟! ومن تمرّد على من أوجبوا طاعته والتسليم لأمره ونهيه كيف يرضون عنه؟! ويعتبر عامل التوحد والاجتماع على طاعة الولي الفقيه من أهم الأسباب والشروط لظهور إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف كما صرّح بذلك قائلاً: "لو أن أشياعنا وفقهم اللَّه بطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة"12
هذه جملة من الأمور التي علينا مراعاتها والالتزام بها حين نريد اتباع أهل البيت عليهم السلام اتباعاً حقيقياً يرضيهم عنّا ويجعلنا من المتمسكين بولايتهم .
*الهوامش:
1- الشورى:23.
2- كفاية الأثر، ص263.
3- الكافي، ج1، ص180.
4- البحار، ج52، ص145.
5- صفات الشيعة، ص13.
6- البحار، ج27، ص62.-
7 -م. ن، ج63، ص258.
8- الكافي، ج1، ص34.
9- الكافي، ج1، ص44.
10- البحار، ج2، ص92.
11- معجم رجال الحديث، ج2، ص356.
12- البحار، ج53، ص177
المصدر: كتاب صدى الأيات-اعداد مركز نون