يعتبر المسجد أضخم مؤسسة في الإسلام ، فقد كان لهذه المؤسسة دور خطير وكبير في تاريخ الدعوة الإسلامية ولها رسالة مهمة في حياة المسلمين ، فما هو دور المسجد وما هي وظيفته في المجتمع الإسلامي ؟
من المعلوم إن للمسجد وظائف مهمة وأدوارا وأهدافاً كثيرة في الأمة الإسلامية نذكر منها ستة أهداف:
الهدف الأول للمسجد: مركز للعبادة
هو مركز العبادة الإسلامية ، فالعبادة في الإسلام لا تتمحور في مكان واحد وإنما الأرض كلها موقع لعبادة الإنسان والحياة كلها مجال واسع لعبادة الإنسان، والإسلام يريد من الإنسان أن يكون عابداً في كل حركة من حركاته وفي كل مجال من مجالات حياته وفي كل موقع من مواقع الأرض والحياة، ولكن للمسجد مركزيته المهمة في مجال العبادة ففي المسجد يشحن الإنسان بالطاقة العبادية.
الإنسان العابد هو الإنسان الحقيقي لأن مفهوم العبادة بمعناه الشمولي في الإسلام هو مفهوم الحركة المرتبطة بالله سبحانه وتعالى، فالعابد هو الإنسان المتحرك من وحي أوامر الله سواءً في المسجد أم في الشارع أم في المكتب أم في كل مكان.
وكلما ذبلت روحية الإنسان يأتي هنا دور المسجد فهو الذي يزوده بالطاقة وبالشحنات العبادية.
الهدف الثاني للمسجد: تجمع المؤمنين
هو موقع لتجميع المؤمنين. ففي داخل المسجد يتم التلاقي والتفاعل بين المؤمنين وكم لهذا التجمع وهذا التلاقي والتفاعل اليومي في داخل المسجد من عطاء كبير في كيان الأمة والمجتمع وفي كيان المؤمنين فتكرار هذا الارتياد والتلاقي في داخل المسجد وتكرار هذا التجمع الإسلامي يعطي للجماعة المؤمنة قوة ومناعة وما أحوج المؤمنين إلى القوة والوحدة وإلى التلاحم والمسجد هو الذي يحقق هذه الروح الجماعية في الأمة.
وقد أعطى الإسلام لصلاة الجماعة قيمة ضخمة جداً لا تعادلها قيمة لأنها وسيلة من وسائل بناء الكيان الإسلامي وخلق التجمع والتلاحم الإسلامي، وقد رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : " أَلَا وَ مَنْ مَشَى إِلَى مَسْجِدٍ يَطْلُبُ فِيهِ الْجَمَاعَةَ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ ، وَ يُرْفَعُ لَهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ مِثْلُ ذَلِكَ ، فَإِنْ مَاتَ وَ هُوَ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَعُودُونَهُ فِي قَبْرِهِ ، وَ يُبَشِّرُونَهُ ، وَ يُؤْنِسُونَهُ فِي وَحْدَتِهِ ، وَ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُبْعَثَ ).
وفي حديث آخر عن النبي الأكرم (ص) يقول:(وإذا زادوا (أي إذا زاد عدد المصلين في صلاة الجماعة) فلو كان البحار مداداً والأشجار أقلاماً والثقلان والملائكة كتاباً ما استطاعوا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة من صلاة الجماعة).
هكذا أعطى الإسلام قيمة للتجمع وللتلاحم وللوحدة ولذلك كان المسجد وسيلة ومركزا للتجمع فهو مؤسسة ضخمة ومهمة جداً وهذا التجمع والتلاحم في المسجد له آثار منها:
أولاً: خلق روح المحبة والأخوة بين المؤمنين، فحينما يلتقي المؤمن يومياً بأخوته المؤمنين فستتعمق أواصر العلاقة بينه وبين إخوانه المؤمنين وستخلق قلوب متصافية ومتلاحمة ومتوادة.
ثانياً: هذا اللقاء اليومي يفرغ من القلوب الضغن والحسد والشحناء والبغضاء وينمي فيهم روح التواد والتعاطف والتراحم، لأن اللقاء اليومي وفي رحاب الله.
وجاء في الحديث الشريف عن النبي محمد (ص): (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تدعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.(
ثالثاً: من خلال تواجد المؤمنين في المسجد أيضاً تتنامى روح التكافل الاجتماعي فيكون لون من التحسس لقضايا الناس وتحسس بقضايا المعوزين والفقراء ولمشاكل الضعفاء والبؤساء، ففي المسجد تنمو عند الإنسان روح التكافل الاجتماعي، وقد روي عن رسول الله (ص): (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وهكذا يجب أن تعيش الجماعة المؤمنة في الكيان الإسلامي روح التلاحم والتواد: (يدخل أبو إسماعيل وهو أحد أصحاب الإمام محمد الباقر (ع) يقول له: سيدي جعلت فداك أن الشعية عندنا كثير، ألتفت إليه الإمام الباقر (ع) قال له: هل يعطف الغني على الفقير ويتجاوز المحسن عن المسيء ويتواصون قال لا، قال:هؤلاء ليس بشيعة، الشيعة الذين يعطف غنيهم على فقيرهم ويتجاوز محسنهم عن مسيئهم)، فالمسجد يخلق هذه الروح عند الأمة وعند الناس المؤمنين.
في الحلقة الثانية من (دور المسجد في المجتمع) سوف نتناول بأذن الله تعالى التربية الروحية والبناء العلمي.