الملحمة البطولية
خرج زيد في غير الوقت الذي عينه مع أصحابه بعد أن انكشف أمره عن طريق الجواسيس المندسين في صفوفه, فقام والي الكوفة بعدة إجراءات لوأد الثورة قبل قيامها, فجمع أهل الكوفة في المسجد ومنعهم من الخروج حتى إلقاء القبض على زيد وقتله, لذلك قرر زيد الخروج قبل الوقت المحدد، فدعا أتباعه إلى الخروج في ليلة شديدة البرد وكانت ليلة الأربعاء فلم يجب دعوته سوى مائتين وخمسة عشر رجلا فخرجوا وهم يوقدون النيران في المشاعل إيذانا بإعلان الثورة تحت شعار (يا منصور أمت), وواجه زيد بهذه القلة جيشاً منظماً تعداده خمسة عشر ألف مقاتل، لكنه لم يتراجع ولم يهن وصمم على القتال فحاول السيطرة على الكوفة وفك الحصار عن أصحابه المحبوسين في المسجد لكنه لم يستطع لكثرة الجيش الأموي ولإحكام الحصار على المسجد وقلة أنصاره، فكان جند الوالي يرمون زيداً وأصحابه بالسهام والحجارة من فوق أسوار المسجد، فانسحب وقرر مقاتلة جند الشام بهذه القلة، فاصطدم بقوة منهم قوامها خمسمائة رجل فهزمهما بعد أن قتل هو وأصحابه الكثير منهم.
وروي أنه قتل وحده منها سبعين رجلاً وكانت الامدادات تتوالى من الشام إلى الكوفة للقضاء على زيد وثورته فاصطدم بقوة أخرى في الكناسة وهزمهم أيضاً, وانتهى أول يوم للثورة بانتصار ساحق لزيد وفي الليل التحق به بعض أنصاره الذين استطاعوا فك الحصار بعد أن ترددت أخبار انتصاراته التي بثت الرعب في قلوب جند الشام.
الشهادة
وفي اليوم التالي عبأ والي الكوفة (يوسف بن عمر) جيش الشام بعد أن جاءته تعزيزات وإمدادات، فاصطدم بزيد وقد قل أصحابه وبقي معه القلة القليلة من المخلصين، وفي هذا اليوم ــ الخميس ــ فقد زيد أثنين من أكفأ أصحابه وأشجعهم وهما (نصر بن معاوية ومعاوية بن إسحاق) الذين ضربا المثل الأعلى في الصبر والعزيمة والثبات والشجاعة والإخلاص،
واجه زيد (رض) الأمويين بقلب شجاع وبصيرة نافذة، يقول واصفوه إنه إذا تقدم للميدان فهو يشبه جده أمير المؤمنين (ع)، يقلب ويفرق الصفوف وأهل الشام يفرون منه فقاتل قتالا شديدا وهو يقول:
أذل الحياة وعز الممات *** وكلا أراه طعــــــــــــاماً وبيلا
فإن كان لا بد من واحد *** فسيري إلى الموت سيراً جميلا
وقال أيضا:
السيف يعرف عزمي عند هزته *** والرمح بي خبر, والله لي أزر
إنا لنأمل ما كـــــــــــانت أوائلنا *** من قبل تأمـــله إن ساعد القدر
ثم ضُرب زيد بسهم في جبهته فبلغ دماغه فسقط وحمله من بقي من أصحابه وطلبوا طبيباً لانتزاع السهم فقال له الطبيب: إنك إن نزعته مت الآن. فقال زيد الموت أهون عليَّ مما أنا فيه. فسحب الطبيب كلبتي السهم فانتزعه ففاضت روحه الطاهرة إلى بارئها.
حفر له أصحابه قبراً وسط ساقية ودفنوه فيه وردموها ووضعوا عليها النبات وكان في تلك المنطقة عبداً سندياً كان يراقبهم وهم لا يعلمون بوجوده, فلما انتهوا وتفرقوا أسرع العبد وأخبر الوالي يوسف بن عمر الذي استخرجه وقطع رأسه وأرسله إلى الحاكم الاموي في دمشق هشام بن عبد الملك، فأرسله هشام إلى المدينة فعلق عند قبر رسول الله (ص)، ثم أرسل إلى مصر حيث طيف به هناك, أما الجسد الطاهر فقد صلبه يوسف بن عمر منكوسا بسوق الكناسة، وصلب معه أصحابه، وأمر بحراسة زيد لئلا ينزل من الخشبة، وبقي مصلوباً اربع سنوات، حتى اتخذته الفاختة وكرا، ثم كتب هشام إلى يوسف بإحراقه ونسفه في الفرات ففعل.
بعث رأس الشهيد إلى مدينة الرسول (ص)
بعث هشام برأس زيد (رض) من الشام إلى مدينة الرسول (ص)، فنصب عند قبر النبي (ص) يوما وليلة، فضجت المدينة بالبكاء من دور بني هاشم وكان كيوم الحسين (ع).
بعث رأس الشهيد إلى مصر:
ثم سير الرأس الشريف إلى مصر سنة 122 ، فطيف به ثم نصب بالجامع فسرقه أهل مصر ودفنوه في مسجد محرس الخصي.
وقد رثى السيد الحميري زيد الشهيد (رض) بأبيات يقول فيها:
بـت لـيلي مـسهدا ساهر الطرف مقصدا
ولـقد قـلت قـولة وأطـلـت الـتـلبدا
لـعـن الله حـوشبا وخـراشـا ومـزيدا
ويــزيـدا فـإنـه كـان أعـتى وأعندا
ألف ألف وألف ألف مـن الـلعن سرمدا
إنـهم حـاربوا الآل وآذوا مــحـمـدا
شـركـوا فـي دم الـمطهر زيـد تعندا
ثـم عـالوه فـوق جـذع صريعا مجردا
يا خراش بن حوشب أنت أشقى الورى غدا
إقرأ أيضا: ثورة زيد الشهيد ضد الحكم الأموي (2) دوافع الثورة
في الحلقة القادمة سوف نتناول إن شاء الله (ثورة یحیى بن زيد)