وللصدّيقة الزهراء (عليها السّلام) سرٌّ مودوعٌ فيها، كما يُستفاد ذلك من دعاء التوسّل الشائع بين المسلمين المنسوب للإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) «إلهي بحقِّ فاطمةَ وأبيها وبَعْلِها وبَنيها والسِّرِّ المستودعِ فيها..» فما هو هذا السرّ المودوع فيها؟
لقد كثُرت الأبحاث وتعدّدت الدراسات عن هذا السرّ العظيم المستودع لدى سيّدة نساء العالمين (عليها السّلام)، ومن أشهر الأقوال:
1- أنّها (عليها السّلام) أصل الإمامة وإناؤها، فهي أمّ الأئمة (عليهم السّلام).
2- السرّ هو الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) الذي هو من نسلها كما أشارت الروايات من الفريقيْن، وهو الذي سيملأ الأرض عدلاً وسلماً كما ملئت ظلماً وجوراً.
3- لأنّها العلّة الغائيّة لإيجاد الوجود، وذلك إشارة للحديث القدسيّ الشهير: «يا محمد: لولاك لما خلقتُ الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما» وقد ورد في مثل ذلك في حديث الكساء الشهير.
وقد عدّ البعض عشرات الأسرار والمضامين الخاصّة بها (عليها السّلام)، فهي بلا شكّ تحمل أسرار النبوّة والولاية، وتحمل أسرار الكون وما فيه، وتحمل أسرار الأئمة وعلومهم، وتحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة.
وبعضهم ذهب الى أنّ الأئمة (عليهم السّلام) يشاركونها (عليها السّلام) في هذا السرّ، معتمدين على نصوص وردتْ عنهم (عليهم السّلام)، كما في الزيارة الجامعة: «السَّلامُ عَلَى مَحَالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمَسَاكِنِ بَرَكَةِ اللهِ، وَمَعَادِنِ حِكْمَةِ اللهِ، وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ..» ولكنّ هذا لا يمنع أن تختصّ الزهراء (عليها السّلام) بأسرار تنفرد بها، وبخصوصيّات لها وحدها، وهو أمرٌ مقرور ومعروف لدى المسلمين عامّة، وعلى سبيل المثال فإنّ حبّها ينفع في مئة موطن، وحبّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ينفع في سبع مواطن للنجاة من أهوال يوم القيامة، وهو ما أشارت إليه الروايات.
وفي النهاية نقول: إن كان هو سرّاً قد استوعه الله (تبارك وتعالى) في الصدّيقة الكبرى فمن الصعب إدراكه والإحاطة به، وما محاولات العلماء والباحثين إلاّ فرضيّات واحتمالات تحوم حول هذا السرّ العظيم، وحتماً أنّ السيّدة الزهراء (عليها السّلام) هي المستودع الجامع للإسرار الإلهيّة من النبوّة والإمامة، وهو من الدلالات العظيمة على سموّ مكانتها وعلوّ منزلتها بين الخلق أجمعين.