لا يقدّم المؤرّخون معلومات عن تاريخ ولادته، لكنّهم لمّا ذكروا أنّه توفّي وهو شيخ كبير، فلابدّ أنّه كان قد عمّر طويلاً قبل الإسلام. وذهبوا إلى أنّه كان في ثُلّة الأوائل الّذين آمنوا بالإسلام، وعدّوه رابعَ أو خامس من أسلم.
قَدِمَ ابو ذر (رض) المدينة سنة 6هـ، فأسكنه النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) في المسجد مع عِدّةٍ من المسلمين الفقراء، وهؤلاء هم المشهورون بأصحاب الصُّفَّة.
وكان أبو ذرّ من خاصّة النّبيّ (ص) وحواريّيه في المدينة كما كان مكيناً عنده. وعندما انتقل الرسول (ص) إلى جوار ربّه واستُخلف أبو بكر سنة (11هـ)، كان أبو ذرّ في الصّفوة الّتي أقبلت على أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، رافضاً بيعة أبي بكر، ثمّ بايعه مُكْرَهاً.
شهد أبوذرّ عدداً من الغزوات مثل غزوة الغابة، كما شهد سَرِيّة قرب المدينة. وخَلَفَ النّبيَّ ص) على المدينة في غزوة بني المصطلق، وعُمرة النّبيّ (ص) سنة (7هـ) فاضطلع بأعمالها. ورفع لواء بني غفار، وهم ثلاثمائة، في فتح مكّة ومرّ به على أبي سفيان.
وساءه ما رأى من ممارسات عثمان في المدينة، وعامله معاوية في دمشق مِن مثل محاباته قُرباه بالأعمال المهمّة، ودفعه الأموال الطّائلة، وكنز الثّروات، والتّبذير والإسراف، وانتهاك السُّنّة النّبويّة، فامتعض منهما وغضب عليهما. وكان يقف إلى جانب أمير المؤمنين (ع)، وصمد في معارضته للحاكمين على رغم محاولات معاوية في ترغيبه في الدنيا وتطميعه.
طلب عثمان من معاوية أن يُرجِع أبا ذرّ (رض) إلى المدينة بُعنف. فأركبه على جمل بلا غطاء ولا وطاء، ولمّا دخل المدينة منهَكاً متعَباً حاول عثمان أن يسترضيه بشيءٍ من المال، فرفض ذلك وواصل انتقاده للنظام الحاكم والأسرة الأمويّة، فغضب عثمان وأمر بنفيه إلى الرَّبَذة ليُبعده عن النّاس.
ولمّا تحرّك متوجّهاً إلى الرّبذة شايعه أمير المؤمنين (ع) وبعض مقرّبيه على الرّغم من الحظر الّذي فرضه عثمان. وتكلّم الإمام (ع) عند توديعه كلاماً بليغاً أثنى فيه على أبي ذرّ، وذمّ عثمان وأعوانه. وموقف الإمام عليه السّلام هذا في مشايعة أبي ذرّ ودعمه أدّى إلى مواجهة شديدة بينه وبين عثمان.
توجّه أبوذرّ إلى الرّبذة مع زوجته وبنته. وأقام هناك ومعه بعض الغلمان وعدد من الأغنام والجمال و توفي رضوان الله عليه في منفاه سنة 31أو32 هـ ودفن فيها .
ولما حَضَرَتْ أبا ذرٍ الوَفاةُ، قَال لامْرَأَتِهِ: اذبَحي شَاةً مِنْ غَنَمِكِ واصنَعيها، فإذا نَضَجَتْ، اقعُدي على قارِعَةِ الطَّريقِ، فأَوَّلُ رَكْبٍ تَرَيْنَهُم، قُولي:ـ يَا عِبَادَ الله المسلمينَ، هَذَا أبو ذَرٍّ صَاحِبُ رسولِ الله (ص) وَقَدْ قَضَى نَحْبَهُ وَلَقِيَ رَبَّهُ، فَأعينوني عَلَيْهِ، وَأجِنُّوه (أي: ادفنوه)، فَإِن رَسولَ الله (ص) أخبرني أَني أموتُ في أرضٍ غَرِيَبةٍ، وَأنَّهُ يَلِي غُسْلي وَدَفْني والصَّلاَةَ عَلَيَّ، رِجَالٌ من أمَّتِهِ صَالِحُون.
قَالَتْ: أينَ بالرِجَالِ وَقَدْ مَضَى مَوْسِمُ الحَجِّ والأرضُ صَحْرَاءَ ؟!
وَإذا بِرِجَالِ!.. فَقَالَتْ لَهُمْ مَا أمَرَها بِهِ. وَنَظَرَ الرِجَالُ بَعْضٌ إلى بَعْضٍ وَحَمَدوا الله على الأجْرِ الذي سَاقَهُ إليهِمْ، ثُمَّ أقْبَلُوا مَعَهَا وَتَعاوَنوا عَلَى غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ. وَتَقَدَّمَ مَالِكُ الأشْتَرُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ دُفِنَ، وَقَامَ الأشْتَرُ عَلَى قَبْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ هَذا أبو ذَرٍّ، صَاحِبُ رسولَ الله (ص).. عَبَدَكَ في العابِدينِ، وَجَاهَدَ فيكَ المُشْرِكينَ، لَمْ يُغَيِّرْ وَلَمْ يُبَدِّلْ.. لَكنَّهُ رأى مُنْكَراً فَغيَّرهُ بِلِسانِهِ وَقَلْبِهِ حتّى جُفِيَ وَنُفِيَ، وَحُرِمَ واحتُقِرَ، ثُمَّ ماتَ وَحيداً غَريبَاً! ثُمَّ دَعا لَهُ، فَرَفَعَ مَنْ مَعَهُ أيْدِيَهُمْ قائِلينَ: آمين!
وحريٌّ بالذّكر أنّ نصّ النّبيّ (ص) على صدق ابا ذر (رض) في الحديث المتواتر المشهور (ما أظلّت الخضراء وما أقلّت الغبراء أصدَق لهجةً من أبي ذرّ).
إقرأ أيضا: رجال حول أمير المؤمنين (ع).. (8) المقداد بن عمرو رضوان الله عليه