ولادته ونشأته
ولد المختار بن أبي عُبَيد بن مسعود الثـقفي في السنة الأولى من الهجرة في مدينة الطائف، وكان في صباه يحظى برعاية أمير المؤمنين(ع) لما كان يعلمه أنّه الآخذ بثأر ولده الحسين(ع)، فعن الاصبغ بن نباته قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين الامام علي(ع) وهو يمسح رأسه ويقول : (ياكيّس ياكيّس) .
جوانب من حياته :
لما ترعرع المختار حضر مع أبيه وقعة قُسّ الناطف وهو ابن ثلاث عشرة سنة، اشترك في شبابه هو وأبوه وأخوته في معركة الجسر إحدى وقائع القادسية. فنشأ مقداماً شجاعاً، يتعاطى معالي الأمور، وكان ذا عقلٍ وافر، وجوابٍ حاضر، ونفسٍ بالسخاء موفورة، وكفٍّ في الحروب مُجيب، مارسَ التجاربَ فحنّكَتْه، فتُعرَف فيه شمائل النخوة والإباء ورفض الظلم ، ويُسمَع منه ويُرى فيه مواقف الشجاعة والتحدّي أحياناً، وهذا أشدّ ما تخشاه السلطات الأُمويّة.
حينما قدم سفير الامام الحسين (ع) مسلم بن عقيل (رض) الكوفة حلّ ضيفاً في بیت المختار، ألقت السلطات الأموية القبض عليه وأودعته في سجن عبيد الله بن زياد في الكوفة. وكان هذا تمهيداً لتصفية القوى والشخصيّات المعارضة ، والتفرّغ لإبادة أهل البيت (عليهم السلام) بعد ذلك، حيث لا أنصار لهم ولا أتباع .
تقتضي المشيئة الإلهيّة أن يلتقي المختار في السجن بمِيثم التمّار(رض) فيبشّره هذا المؤمن الصالح الذي نهل من علوم إمامه عليٍّ أمير المؤمنين (ع) . ويقول ميثم التمار للمختار (رضوان الله عليهما): إنك تفلتُ وتخرج ثائراً بدم الحسين(ع)، فتقتل هذا الجبّارَ الذي نحن في سجنه (أي ابن زياد)، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخَدَّيه.
لم تطل الأيّام حتّى دعا عبيد الله بن زياد بالمختار من سجنه ليقتله، وإذا بالبريد يطلع بكتاب يزيد بن معاوية إلى ابن زياد يأمره بتخلية سبيل المختار، وذلك أنّ أخت المختار كانت زوجة عبد الله بن عمر، فسألت زوجها أن يشفع لأخيها إلى يزيد، فشفّع فأمضى يزيد شفاعته، فكتب بتخلية سبيل المختار.
بعث المختار إلى أصحابه فجمعهم في الدور حوله، وأراد أن يثب على أهل الكوفة، ثأراً منهم على قتلهم الإمامَ الحسين(ع).
ثورة المختار :
ينقض المختار على الكوفة وقد خبّأت رؤوس الفتنة والضلالة والجريمة، آلافاً من قتلة سيّد الشهداء الإمام الحسين(ع)، فيحصدها المختار انتقاماً لدم ولي الله، وثأراً ممّن قتل الأطفال والصالحين وسبى النساء والأرامل والثُكالى، الذين جعلوا بيت النبي(ص) في عزاء ونحيب وعويل ليلَ نهار .
قال (المنهال بن عمرو الضبابي): دخلتُ على علي بن الحسين(ع) قبل انصرافي من مكّة ، فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملةُ بن كاهل الأسدي؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً ثمّ قال(ع): (اللهُمّ أَذِقْه حرَّ الحديد، اللهمّ أذِقْه حرّ الحديد، اللهمّ أذِقْه حرَّ النار) . قال المنهال: فقدمتُ الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان صديقاً لي، فركبتُ إليه ولقيتُه خارجاً من داره، فقال: يا منهال، لم تأتِنا في ولايتنا هذه، ولم تُهنّئنا بها، ولم تُشركنا فيها ؟! فأعلمتُه أنّي كنت بمكّة، وأنّي قد جئتك الآن. وسايرتُه ونحن نتحدّث حتّى أتى (الكُناسة ) فوقف وقوفاً كأنه ينظر شيئاً، وقد كان أُخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه. فلم يلبث أن جاء قوم يركضون، حتّى قالوا: أيُّها الأميرُ البشارة، قد أُخذ حرملة بن كاهل ! فما لبثنا أن جيء به، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة: الحمد لله الذي مكّنني منك، ثمّ قال: النارَ النار، فأُتيَ بنارٍ وقصب، فأُلقي عليه فاشتعل فيه النار. قال المنهال: فقلت : سبحانَ الله ! فقال لي: يا منهال، إنّ التسبيح لَحَسَن، ففيمَ سبّحت ؟ قلت: أيّها الأمير، دخلتُ في سفرتي هذه – وقد كنت منصرفاً من مكّة – على علي بن الحسين(ع) فقال لي: يا منهال، ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي ؟ فقلت: تركتُه حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً فقال: (اللهمّ أذِقْه حرَّ الحديد، اللهمّ أذِقْه حرّ الحديد، اللهمّ أذقْه حرّ النار). فقال لي المختار: أسمعتَ عليَّ بن الحسين يقول هذا ؟! فقلت: واللهِ لقد سمعتُه يقول هذا . فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين فأطال السجود .. ثمّ ركب وقد احترق حرملة. وشيّع المختارُ إبراهيمَ بن مالك الأشتر ماشياً يبعثه إلى قتال عبيد الله بن زياد ، فقال له إبراهيم: اركبْ رَحِمَك الله، فقال المختار: إنّي لأحتسب الأجر في خُطايَ معك، وأحبُّ أن تَغْبَرَّ قدمايَ في نصر آل محمّد (ص) . ثمّ ودّعه وانصرف.
في الحلقة القادمة من رجال حول أمير المؤمنين(ع).. المختار الثقفي يأخذ بثأر الحسين عليه السلام.