رجال حول أمير المؤمنين (ع)..(5) هاشم المرقال(رض) شهيدا

الخميس 3 ديسمبر 2020 - 07:22 بتوقيت غرينتش
رجال حول أمير المؤمنين (ع)..(5) هاشم المرقال(رض) شهيدا

اسلاميات-الكوثر: ما قيل في شجاعة الصحابي الجليل هاشم المرقال (رض) فمتسالَم عليه أنّه المتقدّم في الصفوف، ذو البأس والتضحية، لم يتزلزل في مواقفه.

حين أراد أبو عبيدة بن الجراح أن يختار هاشم المرقال (رض) على الرجّالة في وقعة اليرموك، قال: أُوَلِّيها إن شاء الله مَن لا يُخاف نكولُه ولا صدوده عند البأس، أُولّيها هاشمَ بن عتبة بن أبي وقّاص.

وقد سألتْ عائشة عمّن قُتل من الناس، فقيل لها فيما قتل: هاشم بن عتبة، فقالت: ذاك رجل ما كادت أن تزلّ دابّته.

وفي ذكره وذكر عمار بن ياسر وعبدالله بن بُدَيل.. قال الخوارزمي: كانوا فرسان العراق، ومَرَدة الحرب، ورجال المعارك وحُتوف الأقران، وأمراء الأجناد.. وقد فعلوا بأهل الشام ما بقي ذكره على ممرّ الأحقاب.

وقال ابن عبدالبَرّ فيه: كان من الفضلاء الخيار، وكان من الأبطال البُهْم. فُقئت عينه يوم اليرموك، وشهد القادسيّة وأبلى فيها بلاءً حسناً، وقام منه في ذلك ما لم يَقُم من أحد، وكان سببَ الفتح على المسلمين.

وقال ابن الأثير: كان من الشجعان الأبطال، والفضلاء الأخيار.

وذكر الذهبي أنّه: كان موصوفاً بالشجاعة والإقدام .

وكتب ابن قُتيبة: كان مع عليّ (ع) يوم صِفّين، وكان من أشجع الناس.

ولم يكن هاشم المرقال شجاعاً فحسب، بل كان مخطِّطاً حربيّاً ومنظِّراً عسكريّاً ذا خبرات عالية، اكتسبها تلقيناً أو تجربةً.. فكان يتّخذ القرار المناسب في الموقف المناسب والمكان المناسب.

المرقال شاعراً

لقد كان هاشم المرقال (رض) من شعراء الحروب والفتوح الإسلاميّة، يحمل هموم الجهاد ويهمّه محاكاة الوقائع الحربيّة أكثر من اعتنائه بتصوير موقف آخر. ثمّ هو شاعر رساليّ هادف، يحمل عقيدةً يدافع عنها ببدنه وقلبه ولسانه. وقد ظهر ذلك منه واضحاً في عهد خلافة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، فصوّر في تلك الفترة ما يتعلّق بالأحداث الخطيرة من تاريخ الإسلام والمسلمين.

وقد تصدّر موضوعا: الولاية والبراءة، معظمَ أغراضه الشعرية، وهما المحوران اللذان شَغَلا مساحة واسعة من الفكر الإسلاميّ، فتغنّى بمناقب أمير المؤمنين (ع) وأمجاده، وانتقد أعداء البيت النبويّ الشريف. وكان من أشعاره القائلة بالولاية:

معَ ابن عمّ أحمدَ المُعلّى     فيه الرسولُ بالهدى استهلاّ

أوّلُ مَن صدّقه وصلّى       فجاهدَ الكفّارَ حتّى أبلى

*******

وممّا قاله في الحماسة والشجاعة:

لا تَجزعي يا نفسُ صَبراً صَبرا     ضرباً إذا شئتِ وطعناً شَزْرا

  ********

وقوله في يقينه بسلامة عقيدته وصحّة إقدامه:

فإنّ المجدَ للأبطالِ       إن صَرَعوا وإن صُرِعوا

********

ولا يفوتنا أن نشير إلى ضياع قسم من شعر المرقال فيما ضاع من الشعر.

المرقال خطيباً

إلى جملة ملَكاته.. يتمتّع المرقال بأدب خطابيّ رفيع، وخلُق إقناعيّ باهر، حتّى أنّ الزركليّ قدّم خطابته على فروسيّته، فقال: صحابيّ، خطيب، من الفرسان. وحَسْبنا دليلاً على براعته الخطابيّة خطبته التي قالها حين أراد أميرُ المؤمنين (ع) المسير إلى أهل الشام، فاستشار عليه السّلام مَن كان معه.. فقام إليه هاشم المرقال (رض)، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: (أمّا بعدُ يا أمير المؤمنين، فأنا بالقوم جِدُّ خبير، هم لك ولأشياعك أعداء، وهم لمن يطلب حَرثَ الدنيا أولياء، وهم مُقاتلوك ومُجادلوك لا يُبقون جهداً، مشاحّةً على الدنيا، وضَنّاً بما في أيديهم منها، وليس لهم إربة غيرها إلاّ ما يخدعون به الجهّال من الطلب بدم عثمان بن عفان.

كذِبوا.. ليسوا بدمه يثأرون، ولكنّ الدنيا يطلبون.

فسِرْ بنا إليهم، فإن أجابوا إلى الحقّ.. فليس بعد الحقّ إلاّ الضَّلال، وإن أبَوا إلاّ الشِّقاق.. فذلك الظنّ بهم. واللهِ ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممّن يُطاع إذا نهى، ويُسمَع إذا أمر).

استشهاده

بعد تاريخ مشرق تليد وضّاء، وبعد هَشْمٍ لأنوف الظلمة والطُّغاة، وبعد بلاء حسَن في حروب شتّى.. يُستشهَد المرقال هاشم بن عتبة في معركة صفين سنة سبع وثلاثين من الهجرة وهو يدافع عن العقيدة والحق مع الاما علي (ع) وقبره شاخص ومعروف - بالرقة - من سوريا وإلى جنبه قبور الشهداء منهم عمار بن ياسر، وأويس القرني.

وقد ثبت المرقال في أهل الحفاظ والنجدة، ومزّق صفوف الجيش الأُمويّ في ساحة صفّين.. وعلى حين غفلة يحمل عليه الحارث بن المنذر التَّنوخيّ فيطعنه طعنةً تبلغ جوفَه. لكنّه رضوان الله عليه لم يكفّ عن القتال، فقد حمل جراحاته وتقدّم، وقُطعت رِجله فجعل يقاتل مَن دنا منه وهو باركٌ على الأرض.

وقُتل هاشم بن عتبة المرقال (رض) وقد أثّر فقدانه في أهل العراق أشدّ التأثير، وقبلهم أحزنَ أميرَ المؤمنين عليّاً (ع) حزناً شديد، فوقف عليه مفجوعاً، فدعا له وترحمّ عليه ورثاه وأصحابَه الشهداء، وكان عمّار بن ياسر قد استُشهد أيضاً في المعركة، فقال عليه السّلام:

جزى اللهُ خيراً عُصبةً أسلميّةً     صِباحَ الوجوهِ صُرِّعُوا حولَ هاشمِ

إذا اختلَفَ الأبطالُ واشتبكَ القَنا     وكان حديثُ القومِ ضربَ الجَماجِمِ

                       ****************

وبكى (عليه السّلام) على المرقال وعلى عمّار (رضوان الله عليهما)، ودفنهما بثيابهما ولم يغسِّلهما إذ هما شهيدان، وجعل عمّاراً ممّا يلي المرقال وهاشماً أمام ذلك مما يلي القبلة، وصلّى عليهما.

إقرأ ايضا: رجال حول أمير المؤمنين (ع)..(4) هاشم المرقال(رض) الصحابي الجليل

وقد بلغ هاشم المرقال رحمه الله أُمنيّته التي أنشدها بيتاً: يا ليتَ ما تحتي يكونُ قبرا!

 السلام على هاشم المرقال يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا مع أمير المؤمنين علي (ع) وأولياء علي عليه السلام.

في الحلقة القدمة من رجال حول أمير المؤمنين(ع).. سنتناول المختار الثقفي ثائرا