يُكنّى (أبا عَمرو) و (أبا عُتبة)، ويُعرَف بـ(المِرْقال)؛ لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال له: أرقِلْ يا ميمون. أو لأنّه كان يُرقِل في الحرب، أي يُسرع، من الإرقال وهو ضَربٌ من العَدْو.
ولادته
لعلّ الذي يُستقرَب في ولادة هاشم المِرقال (ض) أنّ ولادته كانت سابقة على سنة 15 قبل الهجرة، كأن تكون متراوحة بين 25 ـ 30 قبل الهجرة النبوية ، وهو وهو أخو مصعب بن عمير لأمه.
إيمانه وولاؤه
رغم أنّ أباه كان من أشدّ الناس على النبيّ (ص).. فقد كان هاشم المرقال (ض) من خيار الصحابة الذين وفَوا لله ولرسوله، وثبتوا على القول بإمامة أمير المؤمنين عليّ (ع)..
قال الإمام الصادق (ع): كان هاشم المرقال مع أمير المؤمنين (ع) من قريش خمسة نفر، وكانت ثلاث عشرة قبيلة مع معاوية؛ فأمّا الخمسة: فمحمّد بن أبي بكر.. أتته النَّجابة من قِبَل أُمّه أسماء بنت عُمَيس، وكان معه هاشم بن عُتبة بن أبي وقّاص المرقال....
إنّه إذن أحد خمسة مؤمنين مقابل ثلاث عشرة قبيلة منحرفة، وهو أحد المناصرين المؤازرين للإمام عليّ (ع) في محنه، ثمّ كان صاحبَ الراية العظمى لمولاه في صِفّين، وكان في الميسرة يوم الجمَل. ولا يخفى على البصير أنّ أمير المؤمنين (ع) لا يعطي الراية ـ خصوصاً العظمى ـ إلاّ لمتمحِّضٍ في الإيمان.
وقد عُدّ المرقال من وجوه الصحابة الذين رَوَوا أنّ عليّاً (ع) هو أوّل مَن أسلم. ثمّ كان من دلائل ولائه وثبات عقيدته إدلاؤه بالشهادة الحقّة لأمير المؤمنين (ع) بالكوفة يوم الرُّكبان، وشهد له بأنّه وصيّ رسول الله (ص)، وخليفته من بعده، وكان فيمن رَوَوا حديث الغدير واقعةً ونصوصاً عن رسول الله (ص).
ويوم اجتمع جماعة في مسجد رسول الله (ص) أيّام عثمان وذكروا فضل قريش وسوابقها، وفضل الأنصار ونصرتهم.. تكلّم أمير المؤمنين (ع) وناشدهم بمناقبه من: المؤاخاة، وسدّ الأبواب إلا بابه، ويوم الغدير، وحديث المنزلة، والمباهلة، وفتح خيبر، ونزول آيات شريفة فيه وفي زوجته الطاهرة وابنَيه، وأن رسول الله (ص) ذكره أنّه أوّل الأوصياء، وعدّدهم واحداً بعد واحد، ووصفهم بأنّهم شهداء الله في أرضه، وحُجَجه على خلقه، وخُزّان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله.
في كلّ تلك المناشدة كان هاشم المرقال (رض) حاضراً، وكان يشهد للإمام عليّ (ع) ويصدّقه، ويُدلي أنّه سمع ـ فيمن سمعوا ـ ذلك من رسول الله (ص) أو ممّن حدّثه عنه.
شجاعته وبطولاته
كان هاشم المرقال (رض) من المحاربين القدماء ذوي التجارب والخبرات الحربيّة الطويلة، حتّى أصبح من كبار القادة وأصحاب الخطط الحربيّة. وخلال حروب الشام.. أثبت المرقال قدرته القتاليّة، وكذا حين كان يقود فرقة من فرق الفرسان في اليرموك وقد ذهبت إحدى عينيه. وكان شارك في فتوح العراق، وشُهِد له في القادسيّة بأدواره الفاعلة الحاسمة، وكذا في فتحه جُلولاء ومسيره إلى حُلوان فاتحاً لها كذلك في أذربيجان، ثمّ كانت صِفّين حيث ضُرب به المثل فيها بشجاعته وتضحيته وإقدامه.
وحسبُنا في التعرّف على شجاعة المرقال أن نقرأ لأمير المؤمنين (ع) قولَه فيه: ((أمَا واللهِ لو أنه ( أي المرقال ) وَلِيَها ( أي وليَ مصر ) ما خلّى لعمرو بن العاص وأعوانه الفَجَرة العَرْصةَ، ولمَا قُتل إلاّ وسيفه في يده)). ثمّ حسبنا إقرار معاوية بشجاعة المرقال، إذ لمّا تعاظمت عليه الأمور في صفيّن دعا قادته وأصحابه قائلاً: إنّه قد غمّني رجال من أصحاب عليّ، منهم: سعيد بن قيس في هَمْدان، والأشتر في قومه، والمِرقال، وعَدِي بن حاتم، وقيس بن سعد بن عُبادة في الأنصار.
وكان عمرو بن العاص ـ وهو وزير معاوية ومستشاره ـ يخاف صولة هاشم المرقال أشدَّ الخوف، ويهاب حماسته العَلَويّة، فما أن رأى الراية العظمى بيده حتّى قال لسيّده معاوية: ويحك! إنّ اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة، وقد كان من قبل يُرقِل به إرقالاً، وإنّه إن زَحفَ إنّه لَليوم الأطول لأهل الشام!
ويتقدّم هاشم بالراية في صولات فيركزها، فإذا تتامّت إليه الصفوف تقدّم مرّة أخرى فركزها.. فلمّا رأى ابن العاص ذلك قال: إنّي لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً، لئن دام على هذا لَتَفْنينّ العرب اليوم!
إقرأ ايضا: رجال حول أمير المؤمنين (ع).. (3) محمد بن أبي بكر (رض)
وهذا يفسّر لنا سرّ الفرح الذي غمر النفوس المريضة لمعاوية وأتباعه حين استُشهد المرقال، حتّى قال معاوية مخفّفاً عن أهل الشام مرارة الهزيمة: أبشِروا؛ فإنّ الله قد قتل من القوم ثلاثة: قتل عمّارَ بن ياسر وهو كان فتاهم، وقتل هاشماً وكان حمزتهم، وقتل ابن بُدَيل وهو فاعل الأفاعيل.
في الحلقة القادمة سنتناول رجال حول أمير المؤمنين(ع)..(5) هاشم المرقال(رض) شهيدا