ويضيف السيّد الخوانساريّ : إنّي لم ألْفَ إلى هذا الزمان من العلماء الأجلّة من يكون بجلالة قَدْره وعِظَم شأنه وارتفاع مكانه، وجودة فهمه ومتانة عزمه، وحُسن سليقته واستواء طريقته، ونظام تحصيله وكثرة أساتيده، وطرافة طبعه ولطافة صنعه، ومعنويّة كلامه وتماميّة تأليفاته.
أقوال العلماء في حق (الشهيد الثاني) :-
ترجم له السيد محسن الأمين العاملي صاحب كتاب أعيان الشيعة واصفاً إياه بقوله:
(كان عالماً فاضلاً جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزلة تقياً نقياً ورعاً زاهداً عابداً حائزاً صفات الكمال متفرداً منها بما لا يشاركه فيه غيره مفخرة من مفاخر الكون وحسنة من حسنات الزمان أو من غلطات الدهر).
وقال عنه الحر العاملي في كتابه آمل الآمل: (أمره في الثقة والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحّر وجلالة القدر وعظم الشأن وجمع الفضائل والكمالات أشهر من أن يُذكر، ومحاسنه وأوصافه الحميدة أكثر من أن تحصى وتحصر، ومصنفاته كثيرة مشهورة، وكان فقيهاً محدّثاً نحوياً قارئاً متكلماً حكيماً جامعاً لفنون العلم).
ووصفه التفرشي في كتابه نقد الرجال: (وجه من وجوه هذه الطائفة وثقاتها، كثير الحفظ نقي الكلام، له تلاميذ أجلاء وله كتب نفيسة جيدة).
مشايخه
تتلمذ الشهيد الثاني على الكثير من الأعلام، منهم:
والده الشيخ علي بن أحمد العاملي الجُبعي، المتوفى 925 هجري، الشيخ علي بن عبد العالي الميسي المتوفى 938 هـ، الحكيم والفيلسوف الدمشقي الشيخ محمد بن مكي، السيد حسن بن جعفر الكركي تلمذ عليه في كرك نوح، شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفي تلمذ عليه في مدينة دمشق، الشيخ شمس الدين أبو اللطيف المقدسي تلمذه عليه في بيت المقدس، الملا حسن الجرجاني، الملا محمد الأستر آبادي، الملا محمد علي الجيلاني، شهاب الدين بن نجار الحنبلي، زين الدين الحرّي المالكي، الشيخ ناصرالدين الطلاوي الكفعمي.
تلامذته
تملّذ عليه الكثير من الأعلام، منهم:
صهره نورالدين علي بن حسين الموسوي العاملي؛ السيد علي الحسيني الجزيني العاملي، المشهور بالصائغ؛ الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي والد الشيخ البهائي؛
علي بن زهرة الجبعي؛ السيد نور الدين الكركي العاملي؛ بهاء الدين محمد بن علي العودي الجزيني، المعروف بابن العودي؛ الشيخ محي الدين بن أحمد الميسي العاملي؛ السيد عزّ الدين حسين بن أبي الحسن العاملي؛ الشيخ تاج الدين بن هلال الجزائري.
مؤلفاته
ذكر له السيد صاحب أعيان الشيعة، 79 مصنفاً، منها:
روض الجنان في شرح إرشاد الإذهان؛ مسالك الافهام في شرح شرائع الاسلام؛
الفوائد العملية في شرح النفلية؛ المقاصد العلية في شرح الألفية؛ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية؛ تمهيد القواعد الأصولية لتفريع الأحكام الشرعية؛ البداية في علم الدراية مع شرحها، وهو أوّل أعلام الشيعة تصنيفا في علم دراية الحديث.
ومن مؤلفاته: مسكّن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد، لم يسبق إلى مثله وسبب تصنيفه له كثرة ما توفي له من الأولاد بحيث لم يبق منهم أحد إلا الشيخ حسن.
شهادته
كان السبب في قتله أنّه ترافع إليه رجلان فحكم لأحدهما على الآخر فغضب المحكوم عليه وذهب إلى قاضي صيدا وكتب القاضي إلى (سليمان) الحاكم العثماني في القسطنطينية (اسطنبول) ، أنّه قد وجد ببلاد الشام رجل مبدع خارج عن المذاهب الأربعة، فأرسل (سليمان) احد جلاوزته في طلب الشيخ وقال له: «ائتني به حياً حتى أجمع بينه وبين علماء بلادي فيبحثوا معه ويطّلعوا على مذهبه ويخبروني فأحكم عليه بما يقتضيه مذهبي، فجاء الجلواز، فأُخبر أن الشيخ توجه إلى مكة، فذهب في طلبه، فاجتمع به في طريق مكة، فقال له الشيخ: تكون معي حتى نحج بيت الله ثم افعل ما تريد. فلما فرغ من الحج سافر معه إلى مركز الدولة العثمانية (القسطنطينية) فقتله ذلك الجلواز في مكان على ساحل البحر وألقى جسده في البحر، وأخذ رأسه إلى الحاكم العثماني (سليمان) فأنكر عليه!!. وذلك سنة 965 هـ.
إقرأ أيضا: شهداء الفضيلة..(3) الشيخ علي بن أحمد العاملي الجُبَعي (الشهيد الثاني)
وجاء في بعض مؤلفات الشیخ بهاء الدين العاملي (الشيخ البهائي): قال اخبرني والدي (قدس سره) انه دخل في صبيحة بعض الأيام على شيخنا (الشهيد الثاني) فوجده مفكّرا فسأله عن سبب تفكيره، فقال يا أخي، أظن اني سأكون ثاني الشهيدين، أو ثاني شيخنا الشهيد في الشهادة، لأني رأيت البارحة في المنام، ان السيد المرتضى (علم الهدى) عمل ضيافة جمع فيها العلماء الامامية بأجمعهم في بيت، فلما دخلت عليهم قام السيد المرتضى ورحب بي وقال لي يا فلان اجلس بجنب الشيخ الشهيد (الشهيد الاول) فجلست بجنبه، فلما استوى بنا المجلس انتبهت، ومنامي هذا دليل على اني أكون تاليا له في الشهادة.
رثاه تلميذه ابن العودي بقصيدة يقول فيها:
هذي المنازل والآثار والطلل * مخبرات بان القوم قد رحلوا
ساروا وقد بعدت عنا منازلهم * فالآن لا عوض منهم ولا بدلُ
فسرت شرقا وغربا في تطلّبهم * وكلما جئت ربعا قيل لي ارتحلوا
فحسن أيقنت ان الذكر منقطع * وانه ليس لي في وصلهم املُ
رجعت والعين عبرى والفؤاد شج * والحزن بي نازل والصبر مرتحلُ
وعاينتْ عينيَ الأصحابَ في وجل * والعينُ منهم بميل الحزن تكتحلُ
فقلت ما لكم لا خاب فالكم * قد حال حالكم والضر مشتملُ
هل نالكم غير بعد الألف عن وطن * قالوا فجعنا بزين الدين يا رجلُ
اتى من الروم لا اهلا بمقدمه * ناع نعاه فنار الحزن تشتعلُ
فصار حزني أنيسي والبكا سكني * والنوح دأبي ودمع العين ينهملُ
لهفي له نازحُ الأوطانِ منجدلاً * فوق الصعيد عليه الترب يشتملُ
أشكو إلى الله خطبا ليس يشبهه * الا مصاب الأولى في كربلا قتلوا
سلام الله على شهيد الفضيلة والفقاهة الشيخ علي بن أحمد العاملي الجُبَعي (الشهيد الثاني) يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.