رجال حول أمير المؤمنين (ع).. (1) مالك الأشتر النخعي (رض)

الأربعاء 25 نوفمبر 2020 - 10:34 بتوقيت غرينتش
رجال حول أمير المؤمنين (ع).. (1) مالك الأشتر النخعي (رض)

اسلاميات-الكوثر: يكفي مالك الاشتر النخعي شرفاً وعزاً قول أمير المؤمنين علي عليه السلام في حقه: ((رحم الله مالكاً، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه آله)).

مالك الأشتر كان معروفا بالشجاعة والبلاغة وشدة البأس، ويعتبر من الرؤساء الأبطال، ومن خدمته في نشر الإسلام مشاركته في معركة اليرموك، وملازمته لأمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) في حروبه حتى استشهاده مسموما من قبل معاوية وهو في طريقه الى مصر واليا عليها من قبل الامام علي (ع).

نسبه ولقبه :

الأشتر هو مالك بن الحارث، بن عبد يغوث، بن مسلمة، بن ربيعة، بن الحارث، بن جذيمة، بن مالك، بن النخع النخعيّ المذحجي. ولُقِّب بـ (الأشتر) لأن إحدى عينيه شُتِرَت – أي شُقّت – في معركة اليرموك بالشام، كما لقب بـ(كبش العراق) لأخلاصه وقيادته لجيش أمير المؤمنين في حروبه .

ولادته :

قدر المؤرخون ولادة مالك بن الحارث النخعي بين سنة ( 25-30 ) قبل الهجرة النبوية الشريفة في بلاد اليمن .

مواقفه :

عاصر مالك الأشتر النبي ( ص)، ولكنه لم يره ولم يسمع حديثه، وذكر عند النبي (ص) فقال فيه النبي ( ص) : إنه المؤمن حقاً، وهذه شهادة تعدل شهادة الدنيا بأسرها . كما أنه ذُكر في جملة المحاربين الشُّجعان الذين خاضوا معركة اليرموك ، وهي المعركة التي دارت بين المسلمين والروم سنة ( 13 هـ ) . وحين استأثر عثمان بن عفان بالخلافة وجعلها ملكا لبني أمية، وابتعاد الخلافة عن سيرة رسول الله (ص)، لم يَسَع الأشترَ السكوتُ، فجاهد في سبيل الله بلسانه عندما رأى عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل قد كُسر ضلعه، وأُخرج بالضرب من المسجد النبوي. ونال عمّارُ بن ياسر من العنف والضرب ما ناله، وهو الصحابي الشهم المخلص المضحي. ولقي أبو ذرّ ما لقي من النفي والتشريد، وقطع عطائه والتوهين بكرامته، وهو الذي مُدح مدحاً جليلاً على لسان رسول الله (ص).

حضوره لدفن أبي‌ ذر الغفاري:

روى (ابن أبي الحديد المعتزلي) حديثاً عن النبي الأكرم (ص) يشهد على إيمان مالك الأشتر جاء فيه: روى المحدثون حديثاً يدل على فضيلة عظيمة للأشتر، وهي شهادة قاطعة من النبي (ص) بأنه مؤمن... والحديث هو: أنّه لمّا حضرت أبا ذر الغفاري الوفاة، وهو بالربذة (نفاه عثمان إليها وتبعد 170 كم الى شرق المدينة المنورة)، أدركه مالك الأشتر وصحبه، فقال لهم أبوذر: أبشروا فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول لنفر أنا فيهم: «ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين»، وليس من أولئك النفر إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت ولا كذبت.

ولاؤه لأمير المؤمنين (ع):

وفي خلافة الإمام علي بن أبي طالب (ع) وحكومته ، كانت مواقف الأشتر واضحةً جَليَّة المعالم . فهذا العملاق الشجاع أصبح جُندياً مخلصاً لأمير المؤمنين (ع)، فلم يفارق الإمام (ع) قطٌّ ، كما كان من قَبلِ تَسَلُّمِ الإمامِ لخلافَتِهِ. فلم يَرِد ولم يصدُر إلا عن أمر الإمام علي (ع) حتى جاء المدح الجليل على لسان أمير المؤمنين (ع)، فكان أن كتب (ع) في عهده له إلى أهل مصر، حين جعله والياً عليها: (( أما بعد ، فقد بَعثتُ إليكم عبداً من عباد الله، لا ينام أيّامَ الخوف، ولا يَنكُل عن الأعداء ساعاتِ الرَّوع، أشدُّ على الفُجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مَذْحِج)). ولهذا القول الشريف مصاديق مشرقة ، فقد كان لمالك الأشتر هذه المواقف والأدوار الفريدة :-

     أولاً: قيل: أنه أول مَن بايَعَ الإمامَ علياً (ع) على خلافته الحقة، وطالب المُحجِمين عن البيعة بأن يقدموا ضمانة على أن لا يُحدِثوا فِتَناً، لكن أمير المؤمنين (ع) أمره بتركهم ورأيَهُم.

     ثانياً: زَوَّد أميرَ المؤمنين (ع) بالمقاتلين والإمدادات من المحاربين في معركة الجمل الحاسمة ، مستثمراً زعامته على قبيلة مِذحج خاصة ، والنَّخَع عامة ، فحشَّد منهم قواتٍ مهمة. فيما وقف على ميمنة الإمام (ع) في تلك المعركة يفديه ويُجندِل الصَّناديد، ويكثر القتل في أصحاب الفتنة، والخارجين على طاعة إمام زمانهم .

    ثالثاً: وفي مقدمات معركة صفين عمل مالك الأشتر على إنشاء جسر على نهر الفرات ليعبر عليه جيش الإمام علي (ع) فيقاتل جيش الشِّقاق والانشقاق بقيادة معاوية بن أبي سفيان. وكان له بَلاء حَسَن يوم السابع من صفر عام (37 هـ) حين أوقع الهزيمة في جيش معاوية .

  ولمّا رفع أهل الشام المصاحف، يخدعون بذلك أهل العراق، ويستدركون انكسارهم وهلاكهم المحتوم، انخدع الكثير، بَيْد أن مالكاً لم ينخدع ولم يتراجع حتى اضطَرَّهُ أمير المؤمنين (ع) إلى الرجوع ، كما اضطُرَّ إلى قبول صحيفة التحكيم – وكان لها رافضاً – خضوعاً إلى رضى إمامه (عليه السلام (.

شعره وأدبه :

من خصائص شعر مالك أن الغالب عليه غرضُ الحماسة والبطولة ، وهو انعكاس للصراع الخطير والمرحلة التاريخية الحساسة التي كان يمر بها الإسلام. نذكر هذين البيتين كنموذج قالهما لعمرو بن العاص في صفين :

يا ليت شعري كيف لي بعمرو      ذاك الذي أجبت فيه نذري

ذاك الذي أطلبه بوتري             ذلك الذي فيه شفاء صدري

وإلى موهبته الشاعرية الهادفة كان الأشتر ذا قوة خطابيّة فائقة ، وكان من خطبه في أحد أيام صفين قوله : ( الحمد لله الذي جعلَ فينا ابنَ عمِّ نبيِّه ، أقدَمُهُم هجرة ، وأوّلُهم إسلاما ، سيفٌ من سيوف الله صَبَّه على أعدائه ، فانظروا إذا حمِيَ الوَطيسُ ، وثار القَتام ، وتكسَّر المُرَّان ، وجالَت الخيلُ بالأبطال ، فلا أسمع إلا غَمغمةً أو همهمة، فاتَّبِعوني وكوني في أثري).

شهادته :

وبعد حياة حافلة بالعز والجهاد، وتاريخ مشرق في نصرة الإسلام والنبوة والإمامة، يكتب الله تعالى لهذا المؤمن الكبير خاتمةً مشرِّفة، هي الشهادة على يد أرذل الخَلْق. فكان لأعداء الله طمع في مصر، لقربها من الشام ولكثرة خراجها، ولتمايل أهلها إلى أهل البيت(ع) وكراهتهم لأعدائهم . فبادر معاوية بإرسال الجيوش إليها، وعلى رأسها عمرو بن العاص ، ومعاوية بن حديج ليحتلَّها . فكان من الخليفة الشرعي الإمام علي بن أبي طالب (ع) أن أرسل مالكَ الأشتر ( رض) والياً له على مصر . فاحتال معاوية في قتله (رض) داسّاً إليه سُمّاً بواسطة رجل من أهل الخراج، يقال انه (دهقان قُلْزُم ، أي صاحب منطقة قُلْزُم، حاليا من ضواحي القاهرة) ، وكان معاوية قد وعد هذا (الكتابي) ألا يأخذ منه الخراج طيلة حياته إن نفذ مهمته الخبيثة تلك . فسقاه السم، فقضى مالك الأشتر (رض) شهيداً عام (38 هـ). ولما بلغ معاوية بن ابي سفيان خبر استشهاد مالك الاشتر قال قولته الشهيرة: إن لله جنودا من العسل.

محل دفنه:

واختلف الرواة في محل دفن جثمانه الطاهر، فمنهم من يري انه دفن في العريش وآخر يقول بالقلزم وذهب فريق انه نقل الى المدينة النبوية فدفن بها خوفا من نبش قبره من قبل معاوية.

وصقدق قول الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) )الاحزاب:23)