قبسات من حياة الامام الصادق (ع)... (3) ولادته واستشهاده عليه السلام

السبت 7 نوفمبر 2020 - 05:07 بتوقيت غرينتش
قبسات من حياة الامام الصادق (ع)... (3) ولادته واستشهاده عليه السلام

اسلاميات-الكوثر: تناولنا في قبسات من حياة الامام جعفر الصادق (عليه السلام) في الحلقتين الاولى والثانية "نسبه وألقابه وكنيته وأوصافه وهيبته ووقاره وأخلاقه وكرمه وجوده وصدقاته وإكرامه للضيوف وتواضعه وسمو أخلاقه وصبره"، وسوف نتناول في هذه الحلقة (الثالثة) ولادته واستشهاده عليه السلام.

ولادته:

اختلف المؤرّخون في السنة التي وُلد فيها الإمام الصادق [عليه السلام] ، وهذه بعض الأقوال: إنه وُلد بـالمدينة المنورة سنة (80هـ).

وُلد سنة (83هـ) يوم الجمعة، ويقال: يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول.

وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه واله) انه قال : اذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فسموه الصادق .

وأشاد والده الإمام محمد الباقر (ع) أمام أعلام شيعته بفضل ولده الصادق (ع) قائلا: هذا خير البريّة.

الامام الصادق (ع) والمنصور الدوانيقي

روى الفضل بن الربيع عن أبيه ، فقال : دعاني المنصور ، فقال : إن جعفر بن محمد يلحد في سلطاني ، قتلني الله إن لم أقتله . فأتيته ، فقلت : أجب أمير المؤمنين.

 فتطهّر ولبس ثياباً جدداً . فأقبلت به ، فاستأذنت له فقال : أدخله ، قتلني الله إن لم أقتله . فلما نظر إليه مقبلا ، قام من مجلسه فتلقّاه وقال : مرحباً بالتقيّ الساحة البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمي . فأقعده على سريره ، وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال :سلني حاجتك ، فقال (عليه السلام): أهل مكّة والمدينة قد تأخّر عطاؤهم، فتأمر لهم به .

قال : أفعل ، ثم قال : يا جارية ! ائتني بالتحفة فأتته بمدهن زجاج، فيه غالية ، فغلّفه بيده وانصرف فأتبعته ، فقلت:

يابن رسول الله ! أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك ، فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول ، فما هو ؟

قال الامام (ع): قلت ;اللّهم احرسني بعينك التي لاتنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك عليّ ، ولا تهلكني وانت رجائي .

ولم يكن هذا الاستدعاء للإمام من قبل المنصور هو الاستدعاء الأول من نوعه بل إنّه قد أرسل عليه عدّة مرات وفي كل منها أراد قتله .

 لقد صور لنا الإمام الصادق (ع) عمق المأساة التي كان يعانيها في هذا الظرف بالذات والاذى الّذي كان المنصور يصبه عليه، حتى قال (ع) ـ كما ينقله لنا عنبسة ـ قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: أشكو إلى الله وحدتي وتقلقلي من أهل المدينة حتى تقدموا وأراكم أسرّ بكم، فليت هذا الطاغية أذن لي فاتّخذت قصراً في الطائف فسكنته ، وأسكنتكم معي ، وأضمن له أن لا يجيء من ناحيتنا مكروه أبداً.

 وتتابعت المحن على سليل النبوّة وعملاق الفكر الإسلامي ـ الإمام الصادق(ع) ـ في عهد المنصور الدوانيقي ـ فقد رأى ما قاساه العلويون وشيعتهم من ضروب المحن والبلاء، وما كابده هو بالذات من صنوف الإرهاق والتنكيل، فقد كان الطاغية يستدعيه بين فترة وأخرى ، ويقابله بالشتم والتهديد ولم يحترم مركزه العلمي، وشيخوخته، وانصرافه عن الدنيا الى العبادة، وإشاعة العلم، ولم يحفل الطاغيه بذلك كلّه، فقد كان الإمام شخصاً مخيفاً له.

الامام (ع) يعلن دنو اجله

لقد أعلن الإمام الصادق [عليه السلام] للناس بدنوّ الأجل المحتوم منه، وأن لقاءه بربّه لقريب، وكان من بين من أخبرهم بذلك "شهاب بن عبد ربّه"، قال: «قال لي أبو عبد الله [عليه السلام] : كَيْفَ أَنْتَ إِذَا نَعَانِي‏ إِلَيْكَ‏ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ؟

قَالَ شهاب: فَلَمْ أَعْرِفْ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ

قَالَ شهاب: فَإِنِّي يَوْماً بِالْبَصْرَةِ إِذْ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ: يَا شِهَابُ، عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَكَ.

قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ ذَاكَ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ؟! قَالَ: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ.

قَالَ: فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ [عليه السلام] فَخَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ، وَقُمْت‏».

الامام (ع) يستشهد مسموما على يدي المنصور الدوانيقي

لقد صمم الدوانيقي على اغتيال الإمام [عليه السلام] غير حافل بالعار والنار، فدس إليه السم في العنب على يد عامله على المدينة (محمد بن سليمان)، ولما تناوله الإمام [ع] تقطّعت أمعاؤه، وأخذ يعاني الآلام القاسية، والأوجاع المؤلمة، حتى عرج إلى جوار ربه شهيدا مظلوما مسموما في 25 شهر شوال، وقيل في النصف من رجب، واختلف المؤرخون في سنة شهادته [ع] والمشهور سنة (148 هـ )، ومدة حياته المباركة (65) أو (68) عاما على اختلاف الروايات.

وقد أجاد الشاعر المعاصر (جابر الكاظمي) في رثائه للامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:

ليّ قلب ثلّه الخــــــطبُ فمــــــارا ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ وجفون تقذفُ الدمـــع جــــِمارا

وحقول بيــــن أحشائـــــــي ذَوَتْ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ فاستحالتْ من لظى الحزن قِفارا

ريثما حلّ الجوى في خافـقــــــي ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ فغفا بين جُراحـــــي وتــــوارى

فأنا ظئرٌ لأتــــــراب الأســـــــــى ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ نحتسي من حانة الجفــن عُقارا

كم كؤوسٍ بالرزايـا طفـــــــــحتْ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ فشربناها وما نحـــن سكــــارى

أوَ بعدَ القَرْمِ من سادتــــــــــــــنا ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ نأمن الدهر بأن يرعـــى الذّمارا

كيف نصبو لحياة بعدما قتلوا مَن ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ أَلْبَسَ الــــديــــن افــــتـــخــــارا

قتلوا أصدق مَنْ فوق الـــــــثرى ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ بذعافِ السُّمّ في الأحشاء سـارا

صَدَق الحزنُ بفقدِ الصـــــــــادق ؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛ فقدُهُ أورى شِغافَ القلبِ نــــارا

لهفَ نفسي كيف يُعفى قـــــــبـرُه ؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛ وهو حصنٌ وبه الكونُ استجارا

قَذِيَت عينٌ إذا لــم تبكِــــــــــــــهِ ؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛ بَدَلَ الدمع دمـــاً ليــــلَ نهــــارا

إننا نرتقبُ الـــــــيـــوم الـــــــذي ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ يطلب الموعودُ للصادق ثــــارا

ثم يدعو يا لثـــــارات الحـسيـــن ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ لدماءٍ سُفـــكتْ منــــه جُبــــارا

ناحروه وبه لم يحــــــــــــفظـــوا ؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛ لرسولِ الله قــــَدراً ووقـــــــارا

في الحلقة الرابعة من (قبسات من حياة الامام جعفر الصادق) نتناول إن شاء الله تعالى زوجاته وأولاده وموقف الامام (ع) من وفاة ابنه اسماعيل، ومن هم الاسماعيلية.