يوم الغدير في القرآن الكريم

السبت 1 أغسطس 2020 - 06:17 بتوقيت غرينتش
يوم الغدير في القرآن الكريم

اسلاميات - مناسبات قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ﴾ . ( سورة المائدة :3 ) .

على مدى قرون ، وعلماء المسلمين يكتبون في تفسير آية إكمال الدين ، وفي صاحب هذه الآية ((عليه السلام)) ، وأحداث ذلك اليوم.

اليومَ.. تبدأ الآية بكلمة اليوم محلاةً بالألف واللام ، لتشير الى أهمية ذلك اليوم وعظمته ، فما هو سر ذلك اليوم ؟

ذلك اليوم الذي روى فيه أبو هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن صيامه يعدل عند الله عبادة ستين سنة !

اليوم.. الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله) للمسلمين: «ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. فقال: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، فنهض عمر بن الخطاب وقال: بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن أصبحت مولايَ ومولى كل مسلم ومسلمة».

إن أهمية ذلك اليوم بأهمية صاحبه ، صاحبه الذي سُئل عنه الخليل بن أحمد فقال: (ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً ، وأخفاها محبوه خوفاً ، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين! ).

والذي قال فيه أحمد بن حنبل: (ما جاء في أحد من الصحابة من الفضائل ما جاء في علي بن أبي طالب ) !

ما الذي حدث في ذلك اليوم؟

حدث أولاً ، أن الله أكمل لنا ديننا .

وحدث ثانياً، أنه أتم علينا نعمته . وحدث ثالثاً ، أنه رضي لنا الإسلام ديناً !

فما معنى الإكمال والإتمام والرضا؟

إن هذه المفاهيم القرآنية قضايا كبيرة تبين معنى الدين الإلهي وتاريخ تنزله، وفيها بحوث كثيرة ، قد يستغرق الحديث فيها سنة من الزمان ، وإنما نتكلم حولها بكلمات مختصرة !

ولكي نعرف ما هو الدين ، وما هو الإسلام ، الذي رضيه الله لنا ديناً في هذا اليوم ، ينبغي أن ننظر في الآيات التي تحدثت عن الدين والإسلام ، من أول آية الى آخر آية .

ينبغي أن نعرف أن الإسلام الذي قال الله تعالى عنه: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ ... وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾. (سورة آل عمران: 85).هو الإسلام الذي صار الجانب التنفيذي منه ركناً في بنائه ، من يوم جدد إبراهيم (عليه السلام) بناء البيت ودعا ربه كما أمره ، أن يكون نبي الأمة المسلمة خاتمة الأمم ، وأئمتها ، من ذريته: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  ﴾( سورة البقرة: 127)

فبعد أن أتم ابراهيم بناء قِبْلَةَ الحق للعالم ، طلب من ربه ما وعده به ، فقال إلهي أنا معمار بيتك وهذا ابني العامل معي في بناء بيتك.. فاجعل أجر بنائنا ما وعدتنا: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ  ﴾. ( سورة البقرة: 128 ) .

هذا الإسلام الذي أسس قبلته وأساسه إبراهيم (عليه السلام) ، ثم بعث الله به سيد المرسلين من ولد إبراهيم صلى الله عليه وآله فأشاد صرحه، وبنى أمته، بجهاد وجهود مباركة مقدسة طيلة ثلاثٍ وعشرين سنة، وكان عامل البناء معه بدل إسماعيل: علي بن أبي طالب (عليه السلام) !

هذا الإسلام الذي أنزله الله تعالى، بقي الى أواخر عمر النبي صلى الله عليه وآله ناقصاً ، وبالذات الى اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، فأعلن الله إكماله !!

يا لله ، ما هو قدر ذلك اليوم ، الذي ظل الإسلام يفتقد كماله حتى وجده؟! هنا ليس موضع الكلام لأمثالي ، بل موضع الإستغفار من الكلام ! فأي قضية قيلت للبشر في هذا اليوم فلم يفهموها ، والى يومك هذا ؟!

أي يوم كنت يا يوم الغدير ، حتى جاء الخطاب الرباني فيك لرسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الحسم غير المعهود في خطابه له: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ، وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ . (سورة المائدة: 67) .

 فنحن نعرف أن خطاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله أرقُّ خطاب وأحناه:﴿  مَاأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾. ( سورة طـه: 2 ) ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ  ﴾( سورة الأنبياء: 107 )، ﴿ بل نراه أقسم بعمر نبيه الحبيب: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾. ( سورة الحجر: 72 ) ، لكنه في هذا اليوم خاطبه بحسم خاص فقال: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ !

يقول له بذلك إن هذا اليوم مركزي في تبليغ الرسالة ، والعمل الذي ستقوم به ، به يكمل الدين ، وبدونه يبقى ناقصاً وتضيع فائدة جهودك في تبليغه !!

نعم ، إن الرحمة التي تنزلت يوم الغدير أكبر من أن يتعقلها بشر ! والسبب أن الله تعالى إنما خلق هذا العالم ، لأنه أراد أن يوجد موجوداً ويودع فيه جوهرين نادرين هما: العقل والنفس ، ولابد لهذين الجوهرين أن يصلا الى مرحلة الإثمار .

إن مشروع بعثة الأنبياء عليهم السلام إنما كان من أجل إيصال جوهر العقل الى درجة الكمال النظري،وجوهر الإرادة الى درجة الكمال العملي،وكانت بعثتهم مقدمات لكي تبلغ هدفها وأوجها ببعثة نبينا صلى الله عليه وآله : ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾. ( سورة آل عمران: 164 ) إن قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ رمزٌ لقوله: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. فبعثة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله لا تتم بتعليم الكتاب والحكمة فقط ، بل لابد من يوم الغدير!.

إن القرآن الكريم كان وما زال خزائن الله العظيمة ، التي يراها العلماء ولا يستطيعون وصفها ، ويحومون حول كنوزها ولا يستطيعون استخراجها ! كان وما زال بكراً على عقولهم، مهاباً في صدورهم ! ومع أنه غني في عطائه لهم ، فإن كل حصيلتهم من خزائنه الدنيا ، أما خزائنه العليا فهي أعلى منالاً من مستواهم، لا يمسها إلا المطهرون ، الذين يملكون الوسائل العليا التي تمكنهم من استخراج ما يحتاجه البشر من القرآن الكريم !

اليوم أكملت لكم دينكم.. لأنا إن اكتفينا بتنزيل الكتاب عليكم ، ولم نجعل له مفسراً له بعد رسولنا، فقد جعلنا الكتاب خزائن مقفلة! ولكم مَنْ يستخرج منها ما تحتاجه عقول البشر في كل جيل، فالنعمة العلمية على البشر لاتتم إلا بمفسر للكتاب الإلهي.

وكذلك النعمة العملية في بناء الإرادة البشرية وتحقيق عدالة الكتاب الإلهي لا تتم إلا بمن يجسدها ويعلمها للناس.

قد نجدُ من يدعي أنه يستطيع تحقيق العدالة الإلهية التي نزل بها القرآن !

لكن الواقع أن تحقيق العدالة القرآنية النظرية والعملية ، الفردية والإجتماعية.. إنما يستطيع تطبيقها من وصل في تحقيق العدالة مع نفسه الى أن يقول: والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعير ما فعلت. ! فمثل هذه الإرادة ، هي التي تستطيع أن تحقق الحكمة العملية القرآنية ، وتعلمها للبشرية .

الذي يحق له أن يقول إنه يطبق العدالة القرآنية ، هو فقط الذي كان يملك بلاد كسرى وكثيراً من بلاد قيصر وخيراتها وكنوزها ، ومع ذلك كان طعامه خبز شعير وملح، وربما سمح لأولاده أن يضيفوا اليه شيئاً من لبن! فقد كان يقول: إن الله فرض على أئمة العدل أن يساووا أنفسهم بضعفة الناس... أوَ أرضى بأن يقال لي أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ! أأبيتُ مبطاناً وحولي بطونٌ غرثى وأكبادٌ حرَّى ، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ، ولا عهد له بالشبع ؟!

هذا عن طعام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أما عن ملبسه فكان يلبس الكرابيس، وهو نوع من الثياب العادية لعامة الناس! ولم يختلف ملبسه طوال عمره ، في فقر مرَّ عليه أو غنىً ، وحتى عندما كانت تحت يده خزائن الدولة الإسلامية المترامية الأطراف ، وكان قسم من الناس يعيشون السعة والثروة ، كان ملبسه نفس ملبس خادمه قنبر ! بل كان يخص قنبر بالقميص الأجود الذي سعره ضعف سعر قميصه ، يقول إنه شاب ينبغي أن يفرح .

اليوم أكملت لكم دينكم.. أكمله بهذا العالم الرباني الذي يستطيع أن يتناول من خزائن القرآن، وبهذا الإنسان الكامل الذي يستطيع أن يطبق عدالة القرآن الكريم. أما الآخرون ، فهم مساكين ، من أين لهم هذا العلم ، وهذه الإرادة ؟.

إن ما ذكرناه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو ألف باء صفاته ، وإلا فهو في مقام أعظم وأعظم ، صلوات الله عليه. قال الإمام الصادق (عليه السلام) لمحمد بن مسلم الثقفي: إذهب الى قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقف مقابله ، وزره بهذه الزيارة.. الى أن يقول فيها: السلام على اسم الله.. لكن أي إسم ؟

السلام على اسم الله الرضي .

السلام على وجه الله المضي .

السلام على جنب الله القوي .

السلام على صراط الله السوي .

الى أن يقول: السلام على نور الله الأنور ، وضيائه الأزهر .

والفرق بين النور والضياء كالفرق بين نور الشمس والقمر، فالشمس مضيئة والقمر منير ، لأنه يعكس نورها بنسبة بسيطة ، والشمس المضيئة هنا رسول الله صلى الله عليه وآله ونورها الجلي علي (عليه السلام) ! لكن ما معنى الأنور ؟ وما معنى الأزهر ؟

هنا يحق للملائكة أن تتعجب من مقامات علي (عليه السلام) ، وقد تعجبت !

ذاك هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، الذي يحق له عندما سمع شخصاً تحت منبره يقول إني مظلوم ، أن يقول له: إنك ظلمت مرة ، لكني ظلمت عدد المدر والحصى !!

السلام عليك يا أول المظلومين .