مقدمة
لم يراع العباسيون كل قيم وحدود الإسلام والأخلاق، ولا قرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مع أن العباسيين ما قامت دولتهم وسلطانهم إلا باسم القرابة من العلويين، فما أن استتبت الأُمور في أيديهم حتى راحوا يقتلون ويتتبعون العلويين في كل مكان، حتى قال أحد شعراء ذلك الوقت:
تالله ما فعلت أُمية فيهم ** معشار ما فعلت بنو العباس(۱).
سبب الواقعة
عانت الأُسرة العلوية في عهد الطاغية موسى الهادي الخوف والإرهاب، فقد أخاف العلويين خوفاً شديداً، وألح في طلبهم، وقطع أرزاقهم وعطاياهم، وكتب إلى الآفاق بطلبهم.
فالاضطهاد الذي لحق العلويين والمعاملة القاسية لهم، كان من أهم الأسباب التي ثار من أجلها صاحب فخ، حيث جند العلويين الموجودين في المدينة المنورة، وخرج بهم مع نسائهم وأطفالهم متوجهاً نحو مكة المكرمة؛ ليثور على والي مكة المنصوب من قبل الحاكم موسى الهادي، ولكن الوالي أرسل إليهم جيشاً كبيراً فقاتلوهم في منطقة فخ.
تاريخ الواقعة ومكانها
۸ ذو الحجة ۱۶۹ﻫ، وقيل: ۸ ذو القعدة ۱۶۹، ومكانها: وادي فخ، يبعد حوالي فرسخ ـ ۵۵۰۰ متراً ـ عن مكة المكرمة.
قائد الثورة
السيد أبو عبد الله، الحسين بن علي الخير بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن المجتبى (عليهم السلام).
موقف الإمام الكاظم (عليه السلام) من الواقعة
عندما عزم الحسين صاحب واقعة فخ أن يثور على الأوضاع الفاسدة التي وصلت إلى حد الإذلال والاضطهاد الشديد لكل من هو شيعي وعلوي يوالي الإمام الكاظم (عليه السلام)، أقبل الحسين إلى الإمام يستشيره في ثورته، وعرض عليه فكرة الثورة، فالتفت إليه الإمام (عليه السلام) قائلاً: «إنك مقتول فأحِد الضرابَ، فإن القوم فساق، يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعند الله عز وجل أحتسبكم من عُصبة»(۲).
وعن إبراهيم بن إسحاق القطان، قال: «سمعت الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله يقولان: ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا، وشاورنا موسى بن جعفر، فأمرنا بالخروج»(۳).
عدم خروج الإمام الكاظم (عليه السلام) إلى الواقعة
لم يخرج الإمام الكاظم (عليه السلام) مع الحسين رغم علمه بأن السلطة سوف تحمله مسؤوليتها، كما حمل هشام بن الحكم الأُموي جده الباقر(عليه السلام) مسؤولية ثورة زيد، وحمل المنصور أباه الصادق (عليه السلام) مسؤولية ثورة محمد النفس الزكية؛ وذلك لعلمه مسبقاً بالنتائج وبمآل الثورة، ولمصالح أُخرى يعلمها ويقدرها الإمام (عليه السلام).
عظم الواقعة
لقد قُتل في واقعة فخ نحو مئة نفر من ذرية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقُطعت رؤوسهم، وسُبيت النساء والأطفال، ثم أُرسلت رؤوس القتلى إلى الطاغية موسى الهادي ومعهم الأسرى، وقد قُيدوا بالحبال والسلاسل، ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد، فأمر الطاغية بقتل السبي حتى الأطفال منهم على ما قيل، فقُتلوا صبراً وصُلبوا على باب الحبس.
عن أبي الوضاح محمد بن عبد الله النهشلي، قال: أخبرني أبي قال: لما قُتل الحسين بن علي صاحب فخ، وتفرق الناس عنه، حُمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي، فلما بصر بهم أنشأ يقول متمثلاً:
بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعدما ** دُفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمَن كنتم تصيبون نيله ** فنقبل ضيماً أو نحكم قاضيا
ولكن حكم السيف فينا مسلط ** فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا ** بني عمنا لو كان أمراً مدانيا
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ** ظلمنا ولكن قد أسأنا التقاضيا(۴).
أحداث بعد الواقعة
۱ـ قال ياقوت: «بقي قتلاهم ثلاثة أيام حتى أكلتهم السباع، ولهذا يُقال: لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ»(۵).
۲ـ عن بعض الطالبيين قال: «لما قُتل أصحاب فخ جلس موسى بن عيسى بالمدينة، وأمر الناس بالوقيعة على آل أبي طالب، فجعل الناس يوقعون عليهم حتى لم يبق أحد»(۶).
۳ـ قالوا: «ولما بلغ العمري وهو بالمدينة قتل الحسين بن علي صاحب فخ، عمد إلى داره ودور أهله فحرقها، وقبض أموالهم ونخلهم فجعلها في الصوافي المقبوضة»(۷).
۴ـ نقل أبو نصر البخاري عن محمد الجواد(عليه السلام) أنه قال: «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ»(۸).
تأبين الإمام الكاظم (عليه السلام) لصاحب الواقعة
لما سمع الإمام الكاظم (عليه السلام) بمقتل الحسين (رضي الله عنه) بكاه وأبنه بهذه الكلمات: «إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً، صواماً قواماً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله»(۹).
وقال الشاعر دعبل الخزاعي:
قبورٌ بكوفان وأُخرى بطيبة ** وأُخرى بفخ نالها صلواتي(۱۰).
من شهداء الواقعة
۱ـ الحسين بن علي الخير بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط.
۲ـ سليمان بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط.
۳ـ إدريس بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط.
۴ـ يحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط.
۵ـ الحسن بن محمد بن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى.
۶ـ عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن المثنى.
۷ـ عبد الله بن إسحاق بن الحسن بن علي بن الحسين.
۸ـ عمر بن إسحاق بن الحسن بن علي بن الحسين.
۹ـ علي بن إبراهيم بن الحسن المثنى.
۱۰ـ إبراهيم بن إسماعيل طباطبا.
فضل شهداء الواقعة
۱ـ عن زيد بن علي (عليه السلام)، قال: انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى موضع فخ، فصلى بأصحابه صلاة الجنازة، ثم قال: «يُقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، يُنزل لهم بأكفانٍ وحنوطٍ من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة»(۱۱).
۲ـ عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، قال: «مر النبي (صلى الله عليه وآله) بفخ، فنزل فصلى ركعة، فلما صلى الثانية بكى وهو في الصلاة، فلما رأى الناس النبي(صلى الله عليه وآله) يبكي بكوا، فلما انصرف قال: “ما يبكيكم”؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله.
قال: “نزل علي جبرئيل لما صليت الركعة الأُولى فقال: يا محمد، إن رجلاً من ولدك يُقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين”»(۱۲).
۳ـ عن النضر بن قرواش، قال: «أكريت جعفر بن محمد (عليهما السلام) من المدينة إلى مكة، فلما ارتحلنا من بطن مر، قال لي: “يا نضر، إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني”، قلت: أو لست تعرفه؟ قال: “بلى، ولكن أخشى أن تغلبني عيني”. فلما انتهينا إلى فخ دنوت من المحمل، فإذا هو قائم، فتنحنحت فلم ينتبه، فحركت المحمل فجلس، فقلت: قد بلغت.
فقال: “حل محملي”، فحللته، ثم قال: “صل القطار”، فوصلته، ثم تنحيت به عن الجادة، فأنخت بعيره، فقال: “ناولني الإداوة والركوة”، فتوضأ وصلى ثم ركب.
فقلت له: جُعلت فداك، رأيتك قد صنعت شيئاً، أفهو من مناسك الحج؟ قال: “لا، ولكن يُقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة”»(۱۳).
۴ـ عن موسى بن عبد الله بن الحسن، قال: «حججت مع أبي، فلما انتهينا إلى فخ أناخ محمد بن عبد الله بعيره، فقال لي أبي: قل له يثير بعيره، فقلت له فأثاره، ثم قلت لأبي: يا أبه، لم كرهت له هذا؟ قال: إنه يُقتل في هذا الموضع رجل من أهل بيتي يتعاوى عليه الحاج. فنفست أن يكون هو»(۱۴).
ـــــــــــــــــــــــ
۱٫ أعيان الشيعة ۷ /۱۳۳٫
۲٫ مقاتل الطالبيين: ۲۹۸٫
۳٫ المصدر السابق: ۳۰۴٫
۴٫ بحار الأنوار ۴۸ /۱۵۰٫
۵٫ موسوعة المصطفى والعترة ۱۱ /۳۶۹ عن معجم البلدان ۴ /۲۶۹٫
۶٫ مقاتل الطالبيين: ۳۰۳٫
۷٫ المصدر السابق.
۸٫ عمدة الطالب: ۱۸۳٫
۹٫ مقاتل الطالبيين: ۳۰۲٫
۱۰٫ روضة الواعظين: ۲۲۱٫
۱۱٫ مقاتل الطالبيين: ۲۸۹٫
۱۲و۱۳ و۱۴٫ المصدر السابق: ۲۹۰٫
بقلم: محمد أمين نجف