الصدقة ليست تبرّعاً بالمال فقط

الثلاثاء 30 إبريل 2019 - 07:38 بتوقيت غرينتش
الصدقة ليست تبرّعاً بالمال فقط

قال بعض الفقهاء في تعريف الصدقة: الصدقة، هي العطية المتبرّع بها من أجل التقرّب إلى الله سبحانه، و«ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزكاة، لكنّ الصدقة في الأصل تُقال للمتطوّع به، والزكاة للواجب»، ويدخل فيها الزكاة والمنذورات والكفّارة وأمثالها.

 

جاء في قوله تعالى: (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ) (الأحزاب/ 35)، في إشارة إلى صفات المؤمنين الصالحين المبادرين إلى الخير والمعروف.

 

وليست الصدقة تختصّ بدفع المال وبذله للفقير، كما هو متعارف بين الناس، بل تتّسع لكلّ أعمال البرّ والخير من مادّية ومعنوية، وهذا ما نفهمه من حثّ بعض الأحاديث الناس على الصدقة، وجعلها من ضمن البرنامج اليومي العملي في حياتهم، لأنّها تبرز أخلاقيات المؤمن ومدى التزامه بحدود الله وتعاليمه، ومقدار إيمانه وتحسّسه لمسؤولياته، وترجمته لهذه المسؤوليات في الواقع.

 

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «... وكلُّ معروفٍ صدقةٌ». وقال (صلى الله عليه و آله) في وصيّتِهِ لأبي ذرّ: «يا أبا ذرٍّ، الكلمةُ الطيِّبةُ صدقةٌ، وكلُّ خطوةٍ تَخطُوها إلى الصلاةِ صدقة».

 

وقد سأل رجل النبيّ (صلى الله عليه و آله) عن أهميّة الصدقة فقال‏: «إنّ على كلِّ مُسلِمٍ في كلِّ يومٍ صدقةً». فأجاب الرجلُ:‏ ومَن يُطيقُ ذلك؟! فقال (صلى الله عليه و آله): «إماطتُك‏ الأذى عن الطريقِ صدقةٌ، وإرشادُك الرجلَ إلى الطريقِ صدقةٌ، وعيادتُك المريضَ صدقةٌ، وأمرُك بالمعروفِ صدقةٌ، ونهيُك عن المنكرِ صدقةٌ، ورَدُّك السلامَ صدقةٌ».

 

وقد رُوِي عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: «عَونُك للضعيفِ من أفضلِ الصدقة».

 

هذه الأحاديث وغيرها، توضّح لنا سعة دائرة مفهوم الصدقة، فهي ليست فقط مالاً يعطى للفقراء والمساكين لدفع البلاء أو الأذى، أو عند رؤيتنا لمنام مزعج أو غير ذلك، ولكنّها تتّسع لكلّ سلوك وموقف وعمل وقول وشعور يتّصف بالنفع والخير للفرد والجماعة والحياة، فأنت المتصدّق عندما تحمل مشاعر الخير والرحمة للآخرين، وأنت المتصدّق عندما تقف موقف الحقّ ولا تهادن وتتنازل عنه، وأنت المتصدّق عندما تحمي محيطك من الأضرار والمفاسد، وتمنع مظاهر الفساد والفتنة والزيف واللاأخلاق من الانتشار، وأنت المتصدّق عندما تساهم في حماية بيئتك الطبيعية فلا تؤذيها، وأنت المتصدّق عندما تعطي الآخر فكراً صحيحاً وكلمة سويّة تخرجه من الجهل إلى حبّ المعرفة والعلم، وهكذا.

 

المطلوب منّا أن نوضّح مفهوم الصدقة أكثر لأجيالنا، وأن نربّيها على ذلك، في زمن حبّ الذاتيات والاستغراق في المظاهر.

 

المصدر: موقع البلاغ