وقد صرح البيهقي بوجوب الإيمان بظهور المهدي ونزول عيسى (عليه السلام ) ، (3) كما أقرّ الشعراني وغيره من العلماء بهذه الحقيقة (4).
وأكّد أبو الأعلى المودودي على أن وجود بعض الأحاديث الضعيفة لا يؤثر على الحقيقة الأساسية بشأن أصل حتمية ظهور الإمام المهدي. (5) وتجدر الإشارة أنه وردت كلمة (مهدي) في أحاديث كل من الترمذي وابن ماجة ، وأبي داود ، والحاكم ، واحمد بن حنبل، والطبراني ، وأبي يعلى وغيرهم.
وحدّدت هذه الأحاديث بعض أوصاف المهدي ونسبه ، وما يقوم به من أعمال. ومن هذه الأحاديث ما رواه (عبد الله بن مسعود) أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: ( لو لم يبقَ من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جَوراً ). (6)
وقد أشارت بعض هذه الأحاديث إلى أن المهدي يخرج في وقت فتنة وزلازل واختلاف وفرقة بين الناس ، وأنه يخرج في آخر الزمان كشرط من أشراط الساعة ويبايع بين الركن والمقام.. ، وفي عهده يظهر المسيح الدجال وينزل بعده عيسى فيقتل الدجال ). (7)
وروى عبد الله بن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال: ( يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي: هذا خليفة الله المهدي فاتّبعوه ). (8)
وروى أبو داود في صحيحه يرفعه بسنده إلى أم سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قالت:( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة ). (9)
كما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المهدي من الأحاديث الصحيحة ما نقله أبو داود والترمذي ، كلّ واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي سعيد الخدري رحمه الله قال: ( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: المهدي منّي أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ويملك سبع سنين ). (10)
ومنها ما نقله أحمد بن اسحاق بن محمد الثعلبي في تفسيره يرفعه بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة ، أنا وحمزة وجعفر وعليّ والحسن والحسين والمهدي ). (11)
ومنها أيضاً ما رواه القاضي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المسّمى بـ(شرح السنّة) وأخرجه البخاري ومسلم كل واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى (أبي هريرة) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ ). (12)
وجاء عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطي المال صحاحاً ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأمة ). (13)
وعن نعيم بن حماد المروزي عن القاسم بن مالك المزني عن ياسين بن سيار قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن الحنفية قال: حدثني أبي ، حدثني علي بن أبي طالب (عليه السلام ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( المهدي منّا أهل البيت ). (14)
وممّا جاء في صحيح البخاري بسنده إلى جابر بن سمرة: أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: ( يكون اثنا عشر أميراً ، وأضاف إلى ذلك الراوي: أنّ النبي قال كلمة خفيت عليه ولكن أباه سمعه يقول: كلهم من قريش ). (15)
أمّا في كتاب الإمارة من صحيح مسلم ، فقد جاء أن جابر بن سمرة قال: ( دخلت مع أبي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسمعته يقول: إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ). وفي رواية ثانية رواها مسلم في صحيحه أيضاً: أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: ( لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، ويكون عليهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ). (16)
وفي رواية: ( لا تزال هذه الأمة مستقيماً أمرها ظاهرة على عدوّها حتّى يمضي منهم إثنا عشر خليفة من قريش ، ثم يكون المرج والهرج ). (17)
وفي رواية: ( يكون لهذه الأمة إثنا عشر قيّما لا يضرّهم من خذلهم ، كلّهم من قريش ). (18)
وعن أنس (لا يزال هذا الدين قائماً إلى إثني عشر من قريش ، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ). (19)
لذا يتّضح أَن الاثني عشر المعنيين من تلك المروّيات هم الأئمة من عترته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على التعاقب. وروى زيد بن أرقم أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ). (20)
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً: ( إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ). (21)
لقد قرن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديث الثقلين بين كتاب الله وبين أهل البيت عليهم السلام ، حيث جعل التمسّك بهما مصدر هداية ورحمة لهذه الأمة. كما يدلّ الحديث بشكل صريح على حصر الإمامة والقيادة العامة للمسلمين في أهل بيت النبوة ، وبيّن استمراريّة خطّ الإمامة إلى يوم القيامة ، وفيه دليل على وجود الإمام المهديّ ( عليه السلام ).
كما روى أبو سعيد الخدري قال: سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: ( إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له ). (22)
وقد علّق شرف الدين على هذا الحديث بقوله: وأنت تعلم أنّ المراد من تشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح ، أنّ من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأصوله منهم نجا من عذاب النار ، ومن تخلّف عنهم كان كمن آوى يوم الطوفان إلى جبل ليعصمه من أمر الله ، غير أنّ ذلك غرق في الماء ، وهذا في الحميم (والعياذ بالله).
والوجه في تشبيههم ( عليهم السلام ) بباب حطة هو أنّ الله تعالى جعل ذلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله ، والبخوع لحكمه ، وبهذا كان سبباً للمغفرة ، وهذا وجه الشبه. وقد حاوله (ابن حجر) إذ قال: ( ووجه تشبيههم بالسفينة أنّ من أحبهم وعظّمهم شكراً لنعمة مشرفهم ، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان... إلى أن قال: ووجه تشبيههم بباب حطة ، أنّ الله جعل دخول ذلك الباب ، الذي هو باب (أريحا) أو (بيت المقدس) مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة ، وجعل لهذه الأمة مودّة أهل البيت سبباً لها ). (23)
المصادر:
(1) الروض الانف في شرح سيرة ابن هشام ج2 ، ص421.
(2) فرائد السمطين للجويني الشفافعي: ج2 ، ص334.
(3) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد: ص 127.
(4) اليواقيت والجواهر: ج2 ، ص 143.
(5) راجع كتاب البيانات: ص 116.
(6) سنن ابن داود ، كتاب المهدي: ج4 ، ص 106 ـ 109.
(7) سنن ابن ماجة ، كتاب الفتن ، باب خروج المهدي: ج 2/ ص 366 ـ 368.
(8) نور الأبصار: ص 155. وينابيع المودة: ص 447.
(9) مطالب السؤول للشيخ كمال الدين الشافعي: ب12 ، ص 234.
(10) المصدر نفسه.
(11) المصدر نفسه.
(12) المصدر نفسه.
(13) كنز العمال: 38600.
(14) الفتن: 231.
(15) ـ صحيح البخاري ، كتاب الأحكام: ج4 ، ص165. وفتح الباري: ج16 ، ص 338. ومستدرك الصحيحين: ج3 ، ص 617.
(16) صحيح مسلم 3: 1453 ، ح 1821.
(17) منتخب الكنز: ج5 ، ص 321. وتاريخ ابن كثير: ج6 ، ص 249. وتاريخ الحلفاء للسيوطي: ص 10.
(18) كنز العمال: ج13 ، ص 27.
(19) المصدر السابق.
(20) صحيح الترمذي: ج2 ، ص 308. كنز العمال: ج1 ، ص 84. الصواعق المحرقة: ص 75.
(21) صحيح الترمذي: ج5 ، ص 662.
(22) مجمع الزوائد للهيثمي: ج9 ، ص 168. مستدرك الصحيحين للحاكم: ج2 ، ص 42.
(23) المراجعات: ص 54.
شفقنا