مصير المتكبرين

الإثنين 8 إبريل 2019 - 09:34 بتوقيت غرينتش
مصير المتكبرين

نهج البلاغة – الكوثر: إن أكثر الناس فساداً هم المتكبرون على الله تعالى، الذين يُسول إليهم الشيطان أنفسهم وكأنهم آلهة يعبدون من دون الله عز وجل. خاصة إذا كانوا من أهل المال والجاه والحكم وقهر العباد والتسلط على البلاد، ومن القادرين على قطع الأرزاق والرقاب، الواهبين القوة واليأس.

 

هؤلاء جرأتهم أكثر من غيرهم، نتيجة سكرة التسلط والقهر عندهم، والتي هي أشد من سكرة الخمر والمخدر، فهذه تقهر صاحبها لساعات، وتلك تقهر صاحبها لسنوات،... وغالباً ما تستمر معه حتى موته.

 

وتاريخ البشرية الطويل يضج ويعج من هول ممارسات هؤلاء، من ظلمهم وجبروتهم، إلى كيدهم وسجونهم، إلى الدماء التي سفكوها، والأنفس التي أزهقوها، والمهج، التي قهروها، والكرامات التي سلبوها.

 

ولكن... إلى أين المفر؟! ... يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): "... وإن لكم في القرون السالفة لعبرة! أين العمالقة وأبناء العمالقة! أين الفراعنة وأبناء الفراعنة، أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين، وأطفؤوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين! أين الذين ساروا بالجيوش، وهزموا بالألوف، وعسكروا العساكر، ومدّنوا المدائن!".

 

... ويقول(عليه السلام): " ... فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته، ووقائعه ومثلاته، واتعظوا بمثاوي خدودهم، ومصارع جنوبهم، واستعينوا بالله من لواقح الكبر، كما تستعيذونه من طوارق الدهر...".

 

... أخي الكريم: لا تنس أن أول متكبر في التاريخ، كان إبليس اللعين، الذي أسس أساس الانحراف والغرور والعجب في نفوس البشر.. فكلما اقتربنا من هذه الصفات، اقتربنا من نهج الأبالسة ولكما ابتعدنا عنها، ابتعدنا عن هذا النهج.

 

... يقول الأمير(عليه السلام) في النهج المبارك: "... فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل، وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله سلة آلاف سنة، لا يُدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة، عن كبر ساعة واحدة، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟ كلا، ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً، إن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض الواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين".

 

أخي الكريم، تذكر أن الله تعالى هو فقط أهل الكبرياء والعظمة والجبروت، وهذه الصفات لا تنبغي إلا له تبارك وتعالى، وأما نسبتها إلى غيره عز وجل، فهذه جرأة وتطفل وغرور، ووضع للأمور في غير محلها، كما قرر ذلك علماء الفلسفة وعلم الكلام...

 

قال الأمير(عليه السلام) في ذمه لإبليس لعنة الله، واستكباره وتركه السجود لآدم(عليه السلام)، قال:

"الحمد لله الذي لبس العز والكبرياء، واختارهما لنفسه دون خلقه وجعلهما حمى وحرماً على غيره، واصطفاهما لجلاله. وجعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده، ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه، وهو العالم بمضمرات القلوب، ومحجوبات الغيوب: (( إني خالق بشراً من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس))، اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، وتعصب عليه لأصله، فعدو الله المتعصبين، وسلف المستكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازعت الله رداء الجبرية، وأدرع لباس التعزز، وخلع متاع التذلل، إلا ترون كيف صغره الله بتكبره، ووضعه بترفعه، لجعله في الدنيا مدحوراً، وأعد له في الآخرة سعيراً ؟‍!".

 

أخي الكريم إن التقي الحق، هو الذي يتواضع لكل عباد الله تعالى، إما لأنهم أهل لذلك، لإيمانهم، وإما لأنه هو أهل لذلك، تجاه المستضعفين.. وإذا بعد عنهم فليس ذلك لتكبره، بل لزهد أو تأديباً لهم وتذكيراً ... قال أمير المؤمنين(عليه السلام)عن التقي: "... بُعدُه عمن تباعد عنه زهد ونزاهة، ودُنوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده بكبر وعظمة، ولا دنوه بمكر وخديعة".

 

السيد سامي خضرا

 

قبسات من نهج البلاغة