يوميات مسلم...مع إمام زمانه!!

السبت 27 أكتوبر 2018 - 07:07 بتوقيت غرينتش
يوميات مسلم...مع إمام زمانه!!

العدل حسن بذاته، لكنّه يصبح أحسن حين يكون لأجل هذا الهدف. والعدل عبارة عن وضع كل شيء موضعه وإعطاء كل ذي حق حقه. ولا يقدر على...

السيد عباس نورالدين

لأنّ المسلم الواقعي معنيٌّ بمصير العالم، ولأنّه يؤمن بوعد الله أنّه تعالى يورث الأرض عباده الصالحين، ولأنّه يرى نفسه مسؤولًا أمام الله وبإمكانه أن يؤدي دورًا مهمًّا في هذا المجال، فإنّ قسمًا مهمًّا من حياته يرتبط بهذه القضية العالمية الكبرى.
المسلم الواقعي عالمي التفكير والاهتمام؛ ولا يمكن أن يبني حياته بعيدًا عن أكبر قضية فيها. ولأنّه عرف أنّ مستقبل العالم مرهون بظهور قائم آل محمد الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، فإنّ حياته هذه تدور حول هذا الإمام وتتوجه إليه.
مشاريعه المستقبلية المرتبطة بالمهنة والشغل والإنجازات والاختصاص والمهارات والكفاءات اللازمة، كلّها تنبع من أمر واحد، وهو ما يرتبط بنصرة الإمام والتمهيد لظهوره. ولأنّ الآخرة هي الحياة، ولأنّ حسابات الآخرة ترتبط بالمحشر، فإنّ مسيرة حياتنا هنا تحدد حشرنا هناك. فالحشر هو اجتماع أولئك الذين اشتركوا في هذا العالم على السير على خط واحد. وكل مسيرة تبدأ بقائد وإمام؛ لذلك يحشر الله الناس يوم القيامة بحسب الشخص الذي تولّوه واتبعوه في هذه الدنيا، قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِم‏}.
فقبل أن يبدأ بأيّ عمل أو تحرك، يحدد المسلم الواقعي الإمامَ والنموذج والمثل الأعلى الذي يجب أن يتخذه قدوة ويتبعه ويعمل معه (لأنّ الخط العام للحياة أَولى من كل شيء). ولأنّ الإمام المهدي هو ذاك الإنسان الذي سيعمل على نجاة البشرية وتخليصها وإنقاذ الأرض واصلاحها، فإنّ وجهة حياة هذا المسلم هي كل ما يمثله هذا الإمام. ولو شئت قلت أنّ عنوان حياتنا الأكبر هو "إصلاح العالم".
ولأجل ذلك ينطلق المسلم الواقعي نحو إصلاح كل ما يقدر على إصلاحه، تمهيدًا لظهور المصلح الأكبر. فيبدأ بنفسه وببيته ومحيطه وبكل من يمكن أن يتأثر بأعماله وأقواله؛ وهمّه الأكبر أن يجعل كل ذلك متطابقًا مع الحالة والوضعية التي ينبغي أن يكون عليها فيما لو ظهرالإمام.. ولأجل ذلك، يجتنب في أكله وشربه ولباسه وتنقلاته ومصارفه كل ما يمكن أن يعيث في الأرض فسادًا ويتسبب بخرابها وتلويث بيئتها، ويعمل على إرساء العدل في بيته وفي معاملاته وعلاقاته، فيؤدي الحقوق ويقوم بواجباته كأتم ما يكون، عسى أن يكون نموذجًا للمقسط الواقعي الذي يبشر بعالم مشرق بنور الإمام.
العدل حسن بذاته، لكنّه يصبح أحسن حين يكون لأجل هذا الهدف. والعدل عبارة عن وضع كل شيء موضعه وإعطاء كل ذي حق حقه. ولا يقدر على نصرة الإمام والتمهيد له إلا من جعل حياته مبنية على هذه القاعدة الكبرى. ولأجل ذلك، فإنّ هذا المسلم حريص على معرفة حقّ كل شيء يرتبط به ويتعامل معه، بدءًا من جسده وانتهاء بأدنى المخلوقات والكائنات التي تعيش في هذا العالم، بل حتى تلك الجمادات والسوائل والغازات التي تملأ الفضاء والتي تتأثر كثيرًا بأفعالنا ونمط عيشنا.
وحتى لو لم ينجح هذا المسلم في ترسيخ هذا العدل هنا أو هناك، يكفيه أنه إن مات على هذا الطريق فسوف يحشر مع الصالحين؛ وربما يرجع إلى هذه الدنيا مع الذين يكون لهم شرف إصلاح العالم.
إنّه شديد الحرص والاهتمام بمعرفة حقّ كل من يعيش أو يتواجد ضمن دائرة تأثيره ومسؤوليته، لأجل أن يؤدي ذلك الحق على أتم ما يكون؛ وقد جعل من رسالة الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الحقوق ومجموع الأحكام الشرعية المستفادة من منظومة الفقه الإسلامي برنامج عمله وسلوكه وروابطه؛ وهو يعلم أنّ في هذه الأحكام الكثير مما يبيّن هذه المسؤوليات.
وكلما شاهد ظلمًا أو وقع عليه حيف من أحد، يستحضر مغزى وجوده وعنوان حياته، ليثبت أمام دعوات الرد بالظلم ودوافع الانتقام الشخصي. وهكذا يشتد حضور هذا الإمام الذي يمثل رمز العدالة في الوجود.
غيبة هذا الإمام تشغل باله، وطول أمدها يقلقه؛ فما السر أو الحكمة من وراء ذلك؟ فالإمام سر العالم وسبب بقاء الحياة على الأرض ولولاه لساخت بأهلها واندثر كل ما فيها. وكل خير نتنعم به الآن إنما هو بفضل دعوته إلى الله، والتي لو انقطعت لما بقي لوجودنا على هذه الأرض من قيمة، فلا يعبء الله بنا لولا دعاؤنا(2).
لكن أجر هذه النعم لا يكون إلا لمن عرف أصلها وقدّرها حق قدرها. ولهذا، فإنّ هذا المسلم الواقعي يسعى لربط كل ما يناله من خير بهذا الإمام، وهو يعلم أنّ غفلته عن هذا السبب المتصل بالسماء ستكون سببًا لعقوبة أو سيئة تصيبه عما قريب. ولأن الإيمان بالله كلّه شكر، ولأنّ الشكر يقتضي معرفة أسباب النعم وعوامل دوامها وقيمتها، فإنّ هذا المسلم شديد الاهتمام باستحضار وجود الإمام في كل شؤونه.
ليس الإمام المهدي قضية يستحضرها هذا المسلم في بعض أوقاته وأدعيته، بل هي قضية حياته كلها. وبسببها استطاع أن يفهم معنى الحياة ويكتشف وسيلة ارتباطها بالله. فالإمام عنده هو الحبل المتصل بين السماء والأرض. ومن أراد أن يعتصم بهذا الحبل، فعليه أن يتمسّك بهذا الإمام.
أجل، إنّ حياة هذا المسلم قائمة على هذه الرابطة والعلقة..
وما يمكن أن يعينه على الحفاظ على قوّة هذا الحضور، ذكر الإمام في أدعيته والدعاء له بكل خير. لأنّ صلاتنا عليه تزيد من فيض الرحمة؛ وكأنّنا بهذه الطريقة نوسع مجرى الفيض الإلهي النازل من سماء أرحم الراحمين.
وصحيح أنّ يوم الجمعة مخصص لهذا الإمام، لكن هذا اليوم ليس سوى منصة ننطلق منها لجعل كل أوقاتنا له؛ فنحن نعيش به ولا هدف لوجودنا في هذا العالم إلا نصرته.

الهوامش:

(1)سورة الإسراء، الآية 71.

(2)قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُم‏}. (الفرقان، 77)

المصدر:مركز باء للدراسات