الشيخ حسين زين الدين
إنّ الشرط الأول من شروط تحصيل النيّة في أيّ عمل عبادي هو اليقظة، وعدم الإتيان بالعمل على نحو العادة. وكي تتحقّق هذه اليقظة لا بدّ من حصول المعرفة بالمزور، ولمَ فرض الله طاعته، وثواب زيارته. هذه معرفة بمراتب ثلاث:
أ- المعرفة بالمزور: التي تعني معرفة حقّه، ومقامه، وشأنه، وموقعه في مشروع الهداية الإلهيّة، ومعرفة الأثر المترتّب على الاتصال به؛ لأنّ الزيارة هي تقرير شفهيّ لجدول الاعتقادات، فالزائر يقف بين يدي المزور ويصرّح عنده بمعتقداته: "أشهد أنّك تشهد مقامي وتسمع كلامي"، "أشهد أنّك كنتَ نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة"، أو "أشهد أنّك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرتَ بالمعروف ونهيتَ عن المنكر". فالزيارة لا تعني عبادة المزور، وإلّا كان الحجّ عبادةً للكعبة ولا يختلف عن عبادة الأصنام في شيء.
ب- معرفة فلسفة الامتحان بطاعةِ الوليّ: إنّ إبليس ابتُلي بالخضوع لوليّ الله آدم عليه السلام، وليس بعبادة الله مباشرة. وبالتالي، يجب أن نعلم أنّ النفس لا يحصل عندها الانكسار العبوديّ بمجرد الالتفات المباشر إلى عظمة الله تعالى؛ لأنّ عظمة الله أكبر من كلّ منافسة، فلا يُختبر الإنسان في عبوديته وتواضعه إلّا بالأوامر الإلهيّة التي صدرت منه تعالى، مثل: ﴿ِإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ (ص: 73-74). واعتقادنا بأهل البيت عليهم السلام هو أنّهم محلّ اختبار العبوديّة الحقيقية في الأوامر الإلهيّة، فنحن نزور أهل البيت عليهم السلام لأنّهم أبواب رحمة الله التي أمرنا الله بالتوسل بها وزيارتها.
ج- معرفة ثواب الزيارة: إذا التفتنا إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام والثواب المترتّب عليها، نجد أنّها شعيرة ركّز عليها أهل البيت عليهم السلام لمحورية القضية الحسينية في بقاء الدين والتوحيد. وبقدر ما يكون الإنسان موحداً، ينعكس توحيده في احترام وتقدير وتوقير من ضحَّى بنفسه لأجل بقاء هذا الدين التوحيدي. فإذا كنت محمديّاً بحقّ عليك أن تكون مَديناً للحسين عليه السلام بحقّ.
* مراعاة المستحبات المعروفة
على الزائر مراعاة المستحبات المعروفة، كالغُسل قبل الخروج إلى الزيارة، والبقاء على طهارة، وارتداء اللّباس الطاهر والنظيف والجديد، ويُفضَّل الأبيض، إلّا في مناسبات العزاء فيُستبدل البياض بالسواد، الذي أصبح جزءاً من شعيرة الحداد على سيّد الشهداء عليه السلام، والدخول إلى كربلاء بحالة الأشعث الأغبر بغبرة الطريق، كل هذه الآداب لكي تتناسب طبيعة الزائر مع حالة سيد الشهداء عليه السلام عندما كان في كربلاء. ومنها:
1-أثناء المسير: لحضور القلب يفضّل عدم التلفّت أثناء المشي، والانشغال بذكر الله سبحانه وتعالى أثناء الطريق والإطراق إلى الأرض، والتأمل والتدبّر، وتقصير الخطى والمشي بوقار وبهيبة، وقراءة الأدعية الخاصّة.
2-الدخول إلى الحرم: عندما نصل إلى مشارف الحرم، نكون قد أزلنا بعض الموانع والانشغالات، فنبدأ بالزيارة دون عناء، وعندما نصل إلى إذن الدخول وقد دخلنا في أجواء الحرم، نحتاج إلى المقدّمات المعرفية التي تحدّثنا عنها. كان بعض العلماء ينبّه أبناءه قائلاً: إيّاكم أن تكونوا كاذبين في قولكم: "أشهد أنّـك تشـهــد مقامي". كما يُلـفــت العلمــاء إلى أنّ الهيبــة التي سيزرعها الحضـور بيــن يدي المعصوم عليه السلام، يجب أن لا تشغـلنا عن عظمــة المولى عزّ وجلّ.
3-اختيار الصحبة: ولا ينبغي الغفلة عن اختيار الصحبة، فصاحِب مَن لديه توجّه روحيّ ومعنويّ، ليرفدك ويقوّي همّتك ونيّتك.
المصدر:مجلة بقية الله