مجتبى السادة
اشك أن عقيدة المخلص المنتظر قديمة بقدم الزمان ، وإنها ليست من خصوصيات دين الإسلام فقط ، فكل الأديان السماوية والتي سبقت الإسلام في الزمن بشرت بهذه الفكرة ، وان اختلفت المسميات .. بل حتى الأديان والمذاهب غير السماوية وصلت إليها الفكرة وأخذت تبشر به .
الإسلام بركنيه القرآن الكريم والسنة الشريفة هما المصدر والمنبع لدى المسلمين بكافة أطيافهم للإيمان والاعتقاد بهذه الفكرة .. فالمنقذ المخلص متواتر عند كثير من أهل الشرائع الأولى ، وأحاديث المهدي المنتظر متواترة عن نبي الإسلام وعلى ألسنة كافة طوائف المسلمين – إلا من شذ وندر – علماً بأن صحة السند لا تشترط في الأحاديث المتواترة ، مما أدى إلى شهرة الفكرة بين المسلمين على مر العصور .. في هذه السطور نحاول تسليط الضوء على فكرة المهدي المنتظر عند أتباع المذهب الإباضي ، والبحث في أفكارهم عبارة عن بحث في فرقة موجودة من الخوارج ويعتبر مذهبهم المذهب الرسمي في سلطنة عُمان.
رأي الإباضية في المهدي المنتظر :
إن المهدي المنتظر في الفكر الإباضي عبارة عن خرافة لا أساس لها من الصحة ، ويعتبرون الفكرة من الأمور الغيبية التي لا ينبغي الإيمان بها إلا على أدلة قطعية ، وفي نظرهم لا توجد أدله قطعية بخصوص المهدي المنتظر ، ولذا فهم يصرّحون ويؤكدون أن أخبار المهدي قد تسربت للفكر الإسلامي قديما من أهل الكتاب (وبالخصوص اليهود) الذين أسلموا في بداية العصر الإسلامي الأول ، وكانوا يروون أخبار المخلص المنتظر من موروثهم الديني المحرَّف .
يصرح الإباضية عن فكرة المهدي المنتظر بأنها خرافية كما يقول أحد علمائهم: (انتشر بين بعض المسلمين فكرة ظهور رجل خارق في آخر الزمان يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورا في فترة لا تتجاوز الأيام المعدودة ، وأنه هو المهدي المنتظر .. لم يقبل الإباضية بمثل هذه الأفكار لمخالفتها منهج القرآن الكريم الذي وعد المسلمين بالنصر والتمكين في أي زمان ومكان إن هم أقاموا منهج الله وشرعه ، كما إن تلك الأفكار تنشر في الأمة التخاذل والتواكل وانتظار المجهول دون محاولة للسعي والعمل ، وفكرة المهدوية ذات أصول توراتية وهي في حقيقتها بشارة بالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله.
عند الرجوع إلى الجذور التاريخية والعقدية لنظرة الإباضية للمهدي المنتظر نجد أن هذه المدرسة خلت مروياتها من الغالبية العظمى من هذا الصنف من الروايات (المهدي المنتظر أو اشراط الساعة) ، كما خلا التنظير العقدي والفقهي عبر تاريخ الفكر الإباضي من الاهتمام بهذه القضايا .. ومع مسيرة الزمن وبفعل حركة التثاقف والتلاقح بين المدرسة الإباضية والمدارس الإسلامية الأخرى حصل نوع من انتقال بعض هذه القضايا إلى قطاع بسيط جداً جداً من التفكير الإباضي ، لكن لم يصل الأمر إلى دائرة الاعتقاد بها ، ونجد هذا الأمر في بعض الكتب الإباضية في القرن الهجري السادس ، كالدليل والبرهان لأبي يعقوب الوارجلاني (توفي: 570 هـ) ذكر في ج 2ص 35 (وقد وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبار كادت تكون ضرورية عن المهدي في آخر الزمان ، ، وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد إن ملئت ظلماً وجوراً) وقال في ج2 ص24 : (فإن كان عن معصوم كان حقاً ، ولا معصوم إلا المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام)..كذلك ذكر الشيخ القطب في (وفاء الضمانة بأداء الأمانة) ج5 –ج6، عددا لا يستهان به من روايات المهدي المنتظر والدجال وعودة المسيح (ع) دون أن يعلق عليها بشيء .. أما الشيخ الجيطالي في (قناطر الخيرات) ج3 ص546 و ص 547، ذكر عدداً من الأشراط المستقبلية للساعة مثل : طلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى (ع) والدجال وغيرها .. غير أن الساحة الإباضية شهدت في أوآخر القرن الهجري الماضي وبدايات القرن الحالي عودة الإباضية إلى التحفظ على فكرة المهدي المنتظر ، وبعض القضايا الغيبية بخلاف ما كان عليه الخط الإباضي العام من عدم الاعتناء بها .. وممن تحفظوا على فكرة المهدي المنتظر من علماء الإباضية المتأخرين نذكر:
1-قال الشيخ أحمد بن حمد الخليلي (المفتي العام الحالي لسلطنة عُمان) موضحاً رأي الإباضية في مسألة المهدي المنتظر: (علينا نحن أن نعمل وأن يكون كل واحد منا هادياً مهدياً بمشيئة الله سبحانه وتعالى ، وأن لا ننتظر من يظهر بعد حين ، على أن الروايات في المهدي فيها الكثير من الاضطراب كما شرح ذلك العلامة رشيد رضا ، وقد وضعَت في المهدي روايات متعددة وادعى الكثير من الناس أنه هو المهدي المنتظر ، ومن الناس من قال إن المهدي من ذرية الحسين بن علي ، ومنهم من قال هو من ذرية الحسن بن علي ، ومنهم من قال هو من ذرية العباس بن عبدالمطلب ، وهذا مما يدل على إن للاتجاه السياسي دخلاً في حبك هذه الروايات) .
2-أما الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي (وهو مرجع الإباضية حالياً في الحديث النبوي الشريف) فقد قال في محاضرة له (أحاديث المهدي مكذوبة موضوعة ، لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله).
3-الشيخ بكلي عبد الرحمن عمر الذي قال في الفتاوى : "أما المهدي فما قيل في الدجال فقد حيك مثله فيه من روايات متضاربة أثارت إشكالات يصعب الجمع بينها ، اتخذ المهدي ميداناً ، ركض فيه كثير من ذوي الغايات والمطامع في الملك والسلطان ، وكلما مضى أحدهم ولم تُحقَّق الآمال التي نيطت به حاولوا لعب ورقته مع آخر ، كما كان اصحاب الرايات السوداء والرايات الصفراء ودعوى السفياني قبله ، ويبدو لي والله اعلم أنها من دسائس المنظمات السرية التي أسست لهدم الإسلام وإفساده بإدخال الخرافات على تعاليمه ومبادءه ، ومن وراء ذلك تثبيط أبنائه عن العمل والأخذ بأسباب القوة اتكالا على المهدي وانتظار خروجه ، فيقعدهم ذلك عن الدفاع عنه وصيانة حماه."
4-الشيخ علي يحي معمر في الحلقة الأولى من موسوعة (الإباضية في موكب التاريخ) ص5 حيث عد قضية المهدي المنتظر من الخرافات التي تسربت إلى المسلمين.
5-الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي حيث قال : (وفي أخبار قومنا إن الله يبعث المهدي ويخرج الدجال وينزل عيسى من السماء ، وكل ذلك في نفسي بعيد من الصواب ، ومعي إن الخضر ميت وعيسى كذلك ) .
وفي مناقشته لرأي الشيعة الإمامية في مسألة المهدي المنتظر ، كتب الإباضي الأستاذ علي بن هلال العبري في رسالة الماجستيرالإمامة في الفقه الإسلامي : على افتراض أن الإمام (المهدي المنتظر) لم يختف ، وظهر على الظالمين والغاصبين ، أفتراه يعيش إلى يوم القيامة يسوس الأمة ، ويقيم الكتاب ، ويحمل الناس على الجادة ، أم انه يموت بعد عمر كما مات أباؤه من قبل ؟! ومن الذي سيخلفه عندئذ ، مع حصر الأئمة في عدد معين ، فإن كان سيخلفه نائب فهل النائب يشترط ما يشترط في الإمام ؟ وإذا كان الأمر كذلك فما معنى تحديد العدد ؟ وإذا كان الإمام سيبقى إلى يوم القيامة فقد حاز من الفضيلة والكرامة ما لم ينله الأئمة من قبله .
نستشف من قراءتنا لموقف الإباضية من أمر المهدي المنتظر ، أنهم ينكرون كثيراً من الأمور الغيبية وأخبار الملاحم والفتن وأغلب علامات وأشراط الساعة مثل :
1-إنكار عقيدة المهدي المنتظر من الأساس ، واعتبارها فكرة خرافية تسربت لأفكار المسلمين من اليهود .
2-إنكارهم عودة السيد المسيح آخر الزمان ، وتأكيدهم بأنه قد مات .
3-إنكارهم طلوع الشمس من المغرب كعلامة من علامات الساعة ، واعتبار أن ذلك يخالف القوانين والسنن الكونية .
4-إنكارهم خروج الدجال آخر الزمان واعتباره كائن أسطوري خرافي لا وجود له ، باعتبار مناقشتهم لروايات ابن صياد والجساسة في صحيح مسلم .
5-إنكارهم خروج يأجوج ومأجوج آخر الزمان وإعتبارهم من القصص التاريخية القديمة التي ذكرها الله تعالى في القرآن للعظة والعبرة فقط .
6-إنكارهم خروج دآبه الأرض آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة ويعتبرون خروجها عند وقوع القول فقط ، أي أثناء وجوب العذاب أو الغضب .
7-إنكارهم لكثير من أخبار الملاحم والفتن وأخبار الخضر (ع) و السفياني المنتظر و القحطاني وفتح القسطنطينية ، واعتبار أن الروايات في هذا الشأن كلها لا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله .
ولمزيد من التوسع لمعرفة رأي الإباضية في مثل هذه القضايا والأمور ، يفضل الرجوع إلى كتبهم التالية:
1-كتاب (الإباضية تاريخ ومنهج ومبادئ) للدكتور زكريا المحرمي ، راجع الفصل الخاص: موقف الإباضية من أخبار الفتن والملاحم والميزان والصراط.
2-كتاب (أشراط الساعة – النص والتاريخ)، للشيخ خالد بن مبارك بن محمد الوهيبي ، راجع الفصل الخاص: تطبيقات في دراسة الأشراط المستقبلية للساعة ، وقد قال فيه في ص319 "تبين من خلال البحث أن القطاع الأكبر والأعظم وهو المعبر عن التوجه العام للمذهب الإباضي حول هذه القضايا كان دائراً بين الرفض التام أو التشكيك الذي عبر عنه بالتوقف والسكوت .... إلى أن قال: لا نجد في كتاب الله أي ذكر لكل تلك الاشراط المستقبلية كالدجال وعودة المسيح (ع) والمهدي ، أو ارتباط بعضها بالساعة وما يكون بين يديها كيأجوج ومأجوج وخروج دآبة من الأرض ، بينما جمع مجلدات في هذا الشأن من الروايات السنية والشيعية .. لماذا لم تذكر في كتاب الله تعالى ، ووردت بكل هذه الكثافة الهائلة في الروايات".
المصدر:كتاب رؤى مهدوية