الهدف هو كربلاء، ولا شيء يشبه كربلاء، ففيها كل المعاني تجسدت من تضحية وايثار وفداء، يأتون من كل فج عميق، من كل بقاع الأرض، حملة الرايات، غير آبهين لآلام، فكل من كان في كربلاء استشهد من كهل وشيخ ونسوة وشباب وأطفال، ليكتمل المشهد بعد ألف واربعمئة عام تلبية لنداء “هل من ناصر ينصرني”.
هو طريق يطلبون فيه الوصال، “ففي سر الحسين تكمن الكثير من المعاني، ويعجز المرء عن التعبير عمّا يشاهده في هذا الطريق، وفي هذه الرحلة التي ينتقل بها من عالم المحسوسات ويعيش في عالم آخر بعيدا عن الماديات، يتجرد الانسان من خصوصياته في هذه الحياة التي اعتاد عليها جميع الناس ويعيش في عالم تبدّلت فيه الموازين وانقلبت صورة مصغرة لمشهد يطول الكلام عنه”، يعبر فضيلة الشيخ مصطفى مصري العاملي في حديث له وهو في طريقه سيرا الى كربلاء.
الشيخ مصري: نور الله على الارض تجسد في الحسين
واشار الى ان جميع الزوار الذين تراهم هم كبار وصغار، نساءٌ وشيوخ، من كل الاعمار والمستويات والطبقات، و من جميع البلدان، يسيرون على نمط واحد، ووتيرة واحدة يطلقون الصرخة تلو الصرخة “لبيك يا حسين”، منهم من يسير متمهلا ومنهم من يسير مسرعا ومنهم من يزحف، كلهم يتجهون نحو قبلة واحدة، قبلة الحسين، وهو الذي استطاع ان يجمع كل هؤلاء بشتى لغاتهم وثقافتهم، وهذه احدى اسرار مسيرة الاربعين.
فكيف بدلت الحال يا حسين؟ يقول بصوت تخنقه العبرة، مضيفا “الانسان بطبيعته يسعى نحو الأجر والكسب، لكن هنا، وفي زمن الحسين وايامه يتسابقون على العطاء و البذخ، انه سر الحسين “ع” فينا”.
ويتابع “عندما نتحدث عن كربلاء من الناحية المادية، نقول: اذا وُضِع مغناطيس في مكان ما فإنه يجذب المواد الاخرى نحوه، وهنا في كربلاء نور الله على الارض تجسد في الحسين، الذي نذكر في زيارته السلام عليك يا وارث آدم، وارث نوح، وارث ابراهيم، وارث موسى، وارث عيسى، وارث محمد.. فالحسين يتجسد به المشروع الالهي على الارض ودور الانبياء بأبهى صوره واقوى جاذبيته.
ويضيف “وفي كربلاء جاذبية يجسدها من كان مع الحسين امتثالا له، لذا نجد ان كل الطرق من كل الاتجاهات من كل الالوان والاجناس لها جاذبية خاصة نحو الحسين، ولا يأتي احد مرة الا ويندم على انه لم يأت في السابق ويكون لديه اصرار ان يأتي في السنين اللاحقة، هذه الجاذبية تفسر لنا كيف ان كل الطرق تؤدي الى الحسين”.
المتروبوليت ابرص: شعب يذكر موتاه هو شعب لا يموت
ولان الديانات السماوية ديانات مقدسة ويجب احترامها واجلالها، فالتعايش الاسلامي المسيحي يُفتَخر به في لبنان، لذا فإن كل “شعب يذكر موتاه هو شعب لا يموت” يقول رئيس اساقفة صور وتوابعها للروم الملكيين الكاثوليك المتروبوليت مخائيل ابرص.
ويتابع متحدثا عن زيارة الأربعين، هذه الذكرى بالنسبة لي لا استغربها، فأنا اعيش مع اخوتي الشيعة في منطقة واحدة، واقدم الإحترام للامام الحسين واهل بيته لانهم موجودون قبل ان نوجد وهم الشفعاء ونحن في علاقة روحية ودينية معهم، ولو اتيحت لي الفرصة للسير الى الامام الحسين بالطبع لكنت ذهبت، فالإنسانية واحدة ولسنا ببعيدين عن المذهب الشيعي.
وقال: بالنسبة للشيعة فالامام الحسين “ع” هو مركز القوة ، هذا الانسان الذي فهم معنى الايمان وضحى بذاته من اجله وبالتالي كل الطرق ستقود اليه، وقلت في احدى كلماتي يجب ان لا نذكر الحسين فقط في عاشوراء بل الى آخر العمر وان نحيا على المبادئ التي علمنا اياها”.
الشيخ مزهر: مسيرة المشاية المليونية “مسيرة عبادة”
ويصف مسؤول العلاقات الخارجية لتجمع علماء المسلمين في لبنان الشيخ ماهر مزهر مسيرة المشاية المليونية بأنها “مسيرة عبادة”، وهذه قمة الاخلاص والفداء لحفيد النبي “ص”.
وقال: قد يعتبر البعض ان هذه الامور فيها مبالغة ومشقة وتعب للنفس ولكن من يفعل ذلك يرى ويشعر بلذة هذه العبادة، وانا اسميها عبادة لانها تضحية من اجل النبي “ص” واحفاده .
واضاف “لقد اكرمني الله عز وجل في احدى السنوات عندما كنا في العراق نشارك في الذكرى الثانية لاندحار العدو الاميركي، ان اشهد زيارة الاربعين، فمشيت بعض الشيء ولكن الوضع الامني كان يحتم علينا ان نصعد موكب السيارات، هذه الخطوات القليلة التي مشيتها شعرت بهذه العبادة وهذا الفعل الذي يقرب الى الله، فالسير من اجل احفاد النبي يهون، وفيها الكثير الكثير من العبر، اذكر منها والتي لمستها شخصيا العزة والكرامة”.
وتابع “فالسائرون الى درب الحسين يرتبطون ارتباطا عميقا بالإيمان، وكل من يمشي الى ضريحه عليه السلام يشعر بالعزة والكرامة وفي ألم وتقصير بعض الاحيان انه لم يكن آنذاك لينصر حفيد الرسول “ص” والوقوف في وجه المشركين والمنافقين وحمايته من الذين أرادوا القضاء على الاسلام وليس على الإمام فقط.
وقال: ان السير الى الحسين “ع” هو سير في السلوك والمسلك، وليس فقط في الطرق المعبّدة التي نعرفها، والمقصود العبرة وليس المكان فحسب، وبها غايات اسمى وهي نهج الإمام الحسين، وخصوصا الوقوف في وجه الظالمين كما حصل بعد كربلاء وفي كربلاء، عندما وعت ووقفت العقيلة زينب “ع” في وجه الطاغية والجاحد يزيد لتخبر ليس فقط يزيد فحسب بل كل الامة ان القضية لم تكن قضية الامام الحسين ويزيد انما كانت قضية يزيد والاسلام عندما قالت “كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك.. فوالله لن تمحو ذكرنا…” مشيرا الى انه ليس المقصود الذكر هنا ذكر الامام الحسين واولاده انما ذكر آل بيت النبي “ص”.
اذاً ما بين النجف وكربلاء حكايات عشق لا تنتهي، ملايين العشاق أثرياء وفقراء والعشق والولاء واحد ليبقى صوت الحسين يتردد في الكون، سيبقى حاملا شعلة الحق في سبيل دين رسول الله الذي لم يستقم الا بقتله، وها هو يجد ناصريه على مدى ألف وأربعمئة عام يجددون العهد ويلبون نداءه سيرا وعملا وسلوكا ليكون نهجه هو الأصبى ولتكون مدرسة كربلاء هي الهدف حيث كل الطرق تؤدي اليها.
ملاك المغربي