هكذا كتب الصحفي والكاتب المصري المعاصر صالح الورداني عن الامام علي(ع)!

الأحد 8 إبريل 2018 - 08:35 بتوقيت غرينتش
هكذا كتب الصحفي والكاتب المصري المعاصر صالح الورداني عن الامام علي(ع)!

ومن هنا جاء نص روایة مالك أو تمّ‌ الاحتفاظ‌ بها‌ ، والقائلة «أنّي تركتُ فيكم الثقلین كتاب اللّه وسنّتي» وحُجبت ، أو‌ اختفى نص روایة مسلم التي تقول «كتاب اللّه وعترتي»...

ماجد محمد علي

مقدّمة

‌‌‌لم تختلف أمّة في دنیا الناس علی عظیم من عظمائها كما اختلفت الأمّة الإسـلامیة‌ حـول‌ شـخصیة‌ الإمام علي علیه‌ السلام ولعلّ سرّ هذا الاختلاف هو حكمة وجود الاختلاف نفسه بین بني البـشر‌ ، وذلك لتجلیة فلسفة التدافع والابتلاء ، وإتمام رحلة التكامل والارتقاء التي یقضي‌ الإنسان عمره كـلّه كادحا‌ لقطعها‌ نحو خـالقه سـبحانه یا أیّها الإنسان إنّك كادحٌ إلی ربّك كدحا فملاقیه .

وكلّما اشتدّ الاختلاف ، تعمّق الوعي وألقیت الحجّة وتكشّفت الحقیقة ، رغم ما في ذلك من ألم ومرارة‌ ومعاناة لابدّ من دفع ضریبتها لمن یرید الوصول إلی الحـقیقة ، فيتكامل من یتكامل ویتسافل من یتسافل ، وفي رحلة كدح ومكابدة سیكون شعارها یوم الحساب اقرأ كتابك كفى بنفسك الیوم‌ علیك‌ حسیبا .

فإلی بعض القطرات التي ابتلّت بها أصابع الكاتب و الصحفي االمصري الاستاذ صالح الورداني من بحر هذه الشخصیة الفریدة ، وإلی‌ بـعض‌ السـطور مـمّا اقتطفناه نحن من إنصافه وموضوعیّته وشرف كلماته وبـحثه عـن الحقیقة والحقّ .

السیف والسیاسة : صالح الورداني :

هذا هو عنوان كتاب معروف للكاتب والصحفي المصري‌ الاستاذ‌ صالح‌ الورداني ، وقد وسـمه بـعنوان آخـر مرادف هو «صراع بین الإسلام‌ النبوي‌ والإسلام الأموي» مؤكدا أنّ السیاسة بدأت تلعب لعبتها بعد وفاة الرسول مباشرة حیث انشطر الإسلام شطرین‌ وتوزّع‌ علی‌ خطّین (خط الإسلام القـبلي) و (خـط الإسـلام النبوي) ـ حسب تعبیره ـ وراح‌ الأخیر‌ مشتبكا في ساحة المواجهة یُصارع السـیف تـارةً ، والسیاسة تارةً أُخری ویصارعهما معا تارةً‌ ثالثة‌ .

یؤكد الكاتب في معرض كتابه أنّ رائد الإسلام النبوي فـي هـذه المـعركة هو الإمام‌ علي‌ علیه‌ السلام ویصفه بالقول :

«هذه الشخصیة الربّانیة تربّت علی یـد الرسـول صـلی ‌الله‌علیه‌ و‌سلم وارتوت‌ من‌ معینه‌ ، وهذا أمر له دلالته وانعكاساته علی شخصیة الإمام ، فتربیة الرسول له ثمّ‌ مـصاهرته‌ أنّما یـعني الاصطفاء ، فكما أنّ الرسول تمّ اصطفاؤه فإنّ علیّا أیضا تمّ‌ اصطفاؤه»(1).

ویروح الاستاذ الورداني یـستدلّ عـلی الاصطفاء هذا من أقوال النبي صلی ‌الله‌علیه‌ و‌سلم نفسه التي منها :

«أنت‌ منّي بمنزلة هـارون مـن موسی» (2).

و«عـلي منّي وأنا منه» (2).

و«من‌ كنتُ‌ مولاه‌ فعلي مولاه» (4).

و«لا یحبّه الا مؤمن و لا يبغضه الامنافق."(5)

ویضیف الكاتب‌ قائلاً‌ :«ویكفي فـي حـقّ علي شموله بقوله تعالی :

إنّما یرید اللّه لیُذهب‌ عنكم‌ الرجس أهل البیت ویطهِّركم تـطهيرا مـعلّقا : وهـذا النصّ دلیل ساطع وبرهان قاطع علی ربانیّته» (6) .

كما‌ یؤیّد بأنّ علي بن أبي طالب هو الأفـقه مـن بین جمیع صحابة‌ النبي‌ ، فيقول :

«وقد تفوّق الإمام علي‌ بفقهه‌ علی‌ جـمیع الصـحابة ولم یـضاهِه في ذلك أحد‌ حتّی‌ إنّ عمر بن الخطّاب الذي یشهدون له بالفقه والعلم شهد لصالح علي وأقرّ‌ بـتفوّقه‌ علیه» (7) ، ویـضیف :

«وهـناك‌ شهادات‌ للإمام علي‌ علی‌ لسان‌ كثیر من الصحابة وعلی رأسهم عمر‌ نـفسه‌ الذي كـان یستعین بعلي في كلّ معضلةٍ وكان یتعوّذ باللّه من معضلةٍ‌ لیس‌ فيها (أولها) أبو الحسن» (8)

وفي دلیـل آخـر ، أو‌ أدلّةٍ أخری علی اصطفاء علي علیه‌ السلام‌ واختیاره من قبل النبي في إعدادٍ خـاصّ وتـربیةٍ خاصّة ، یشیر الورداني في‌ كتابه‌ هذا إلی هـذه الحـقیقة قـائلاً‌ :

«یروي‌ ابن عبّاس : دفع‌ رسول اللّه صلی ‌الله‌علیه‌ و‌سلم الرایـة‌ إلى‌ علي وهو ابن عشرین سنة» (9) .

«وقال الرسول صلی‌الله‌علیه‌و‌سلم یوم خیبر : لأعطینّ الرایة‌ غدا‌ رجـلاً یـفتح اللّه علی یدیه یحبّ‌ اللّه‌ ورسـوله ، ویـحبّه‌ اللّه‌ ورسـوله؛ فـلما كـان الغد‌ دعا علیّا فدفعها إلیه» (10).

وكان الصـحابة ـ والكـلام كلّه هنا للاستاذ صالح الورداني ـ یردّدون‌ : "لاسیف إلاّ ذو الفقار ولا‌ فتی‌ إلاّ‌ علي‌ . وقد قـتل أشـهر‌ فرسان‌ العرب یوم الخندق وأصاب المـشركین بنكسة معنویة كبیرة»(11) .

ویستدلّ الكـاتب عـلی الدور الذي أُنیط بعلي‌ وعلی‌ المهمّة‌ التي أخـتُزن لها في مسلسل الرسالة السماویة‌ بقوله‌ :

«وشهادة‌ الرسول‌ صلی ‌الله‌علیه ‌و‌سلم‌ لعلي في حجّة الوداع أمام أكـبر حـشد من الصحابة والمسلمین في تـاریخ الدعـوة أنّما تؤكد هذه الخـاصّیة وهـذا الدور الذي وكل إلیه ، وهي تـؤكد مـن جانب‌ آخر شرعیة هذا الدور وارتباط خطوات الإمام ومواقفه المستقبلیة بحدود الشرع وبالإسلام النبوي» (12) مضیفا :

«یـروي أنّ علیّا نشد الناس قائلاً : من سـمع رسـول اللّه صلی ‌الله‌علیه ‌و‌سلم یـقول یـوم غـدیر‌ خمّ‌ إلاّ قام . فقام اثـنا عشر بدریا فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللّه صلی‌ الله‌علیه‌ و‌سلم یقول لعلي یوم غدیر خم : ألیس اللّه أولی بالمؤمنین؟ قـالوا : بـلی ، قال : اللهمّ‌ من كنتُ مولاه فـعلي مـولاه . اللّهـم والِ مـن والاه وعـادِ من عاداه»(13) .

ویبدو مـن دراسـة السیّد الورداني لهذا الاصطفاء وتحلیله له‌ أنّه‌ أراد التمییز بین الإسلامین المذكورین‌ لئلاّ‌ یُذرّ الرماد في عیون المـسلمین ولكـي لا تـلتبس علیهم خطوط الإسلام النبوي عن الآخر الأمـوي ، فـيقول مـندّدا بـمن یـحاول تـسطیح الفكرة أو عدم‌ التمییز‌ بینهما :

«إنّ محاولة‌ رفع‌ بني أمیّة ، أو التقلیل من شأن الإمام علي ، أو مساواته بمعاویة كما هي عقیدة (البعض) لیس فقط تؤدّي إلی التمویه علی حقیقة الصـراع الذي دار بین الإمام وخصومه‌ كما‌ هو الهدف الظاهر منها ، وإنّما سوف تؤدّي إلی التمویه علی حقیقة الإسلام النبوي الذي یمثِّله الإمام نیابةً عن الرسول صلی ‌الله‌علیه ‌و‌سلم وبالتالي سوف تكون النتیجة ارتفاع الإسلام القبلي ، إسـلام‌ بـني أمیة وعلوّ‌ مكانته علی حساب الإسلام النبوي» (14).

وهذا ما هو حاصل فعلاً ـ كما یری الكاتب ـ وما‌ تبرّم منه ویتبرّم متألّما متوجّعا حیث یقول :

«وتلك هي النتیجة‌ التي‌ استقرّت‌ علیها الأمـّة بـعد وقعة صفين وبعد اختفاء الإسلام النبوي وسیادة الإسلام القبلي علی ید بني أمیة ، ‌‌ذلك‌ الإسلام الذي تُعبّر عنه عقیدة أهل السنّة ، والذي تحوّل إلی دین الأغـلبیة‌ بـدعم‌ الحكومات‌ المتعاقبة من عصر بـني أمـیة وحتّی الیوم» (15) وهو الإسلام المزیّف الذي روّج لمفاهيم عجیبة غریبة‌ وصفها أنّها «لا تخرج عن كونها أطروحات فرضتها السیاسة وباركها الفقهاء»(16) مشیرا‌ إلی بعض هذه المفاهيم‌ بقوله‌ : «لماذا یحاول الفـقهاء إجـبار الأمّة علی الاعتقاد بـضرورة الصـلاة وراء كلّ برٍّ وفاجر؟ ولماذا تحیّز فقهاء السلف لرأي یناقض القرآن والعقل؟»(17) .

وعلی طریقته في التندید والتحلیل والإثارة وإلفات نظر‌ جمهور المسلمین إلی المسألة الجوهریة في سرّ تمزّق وحدة المسلمین ، وسرّ عدم موفقیتهم فـي الوصـول إلی الهدف المنشود ، یقول الورداني ویتساءل :

«كنتُ علی الدوام أطرح علی نفسي السؤال‌ التالي : هل ما بین أیدینا تراث أم دین؟» (18) ویضیف :

«لیس هناك ما یُسمّی بشیعة أو سنّة أو شافعیة أو مالكیة أو أحناف أو حنابلة . . فكلّ هـذه تـسمیات‌ تأریخیة‌ مـن اختراع السیاسة . . والحقّ أنّ هناك إسلام حقّ وإسلام باطل وإسلام ربّاني وإسلام حكومي . . ولكن الذي ساد علی مـرّ التاریخ هو الإسلام الحكومي ، والذي‌ اختفى‌ هو الإسلام الرباني . .» (19) .

وللخروج مـن هـذا المـأزق ولتأكید حقّانیة الإمام علي علیه‌ السلام في اصطفائه وریادته أو ضرورة ریادته (أي ریادة منهجه) للإسلام النبوي یوصي الورداني بـأنّ‌ ‌ ‌البـاحث‌ عن‌ الحقّ یجب أن یتّبع النصّ‌ ولیس‌ أقوال‌ الرجال؛ لأنّ الثاني یجعل بین البـاحث والنـص وسـائط ، وهؤلاء یجعلون (الباحث رهين الرجال لا رهين النص) حسب تعبیره ـ وحتّی‌ في‌ مسألة‌ هؤلاء الوسائط یـشیر الكاتب إلی أنّ النصّ الشیعي، أو التراث الشیعي یعتمد علی آل البیت ، فيما یعتمد الآخر عـلی الصحابة ، وفيما یرفض التـراث الشـیعي التعایش‌ مع‌ الحكام‌ یؤكد تراث الآخر علی التعایش معهم ، وقاعدة الشیعة ترتكز‌ علی متن الروایة فيما یعتمد الآخر علی سندها وهكذا(20) .

ومن هنا جاء نص روایة مالك أو تمّ‌ الاحتفاظ‌ بها‌ ، والقائلة «أنّي تركتُ فيكم الثقلین كتاب اللّه وسنّتي» وحُجبت ، أو‌ اختفي نص روایة مسلم التي تقول «كتاب اللّه وعترتي» (21).

أمّا فكرة (عدالة الصحابة) التي فنّدها‌ الاستاذ‌ أحمد‌ حسین یعقوب في كتابه الشهير (نظریة عدالة الصحابة) وضعّف عدالة الكـثیر مـنهم‌ بالأرقام‌ والوثائق‌ التاریخیة المعتبرة ، والتي غمطت حقّ علي علیه‌ السلام باعتباره واحدا من (الصحابة) فقط دون‌ أی‌ امتیاز‌ ، فإنّ الورداني فنّد هو الآخر هذه الفكرة مفندا معها فكرة الإجماع التي أفـرزتها‌ السـیاسة‌ قائلاً :

«إنّ الهدف من فكرة الإجماع هو نفس الهدف من فكرة العدالة‌ ، كلاهما‌ یدفع الأمّة إلی الاستسلام للخط السائد وإضفاء المشروعیة علیه . وكما أنّ فكرة العدالة‌ من‌ اختراع السیاسة ، فـإنّ فـكرة الإجماع أیضا من اختراع السیاسة»(22) .

إنّ مواجهة‌ الهدف‌ هو‌ الذي قاد المؤسسة الدینیة الشیعیة لأن تقف في حالة صِدام مع الواقع الظالم أو الحكام‌ الظلمة‌ رافضةً مبدأ الطاعة المذكور ، فيما جاءت المؤسسة الدیـنیة للآخـر عـكس هذا‌ الاتجاه‌ ، فهي كما یـقول الوردانـي : «مـؤسسة مرتبطة بالحكام وواقعة في دائرة نفوذهم ویتقاضی الفقهاء منهم‌ أجورهم‌ من‌الحكام،‌ ومن ‌ثمّ ‌فإنّ ولاءهم یتّجه علی الدوام نحو الحاكم ولیس نحو الجماهير ، وفتاواهم‌ تـصدُر‌ لحـساب الحـاكم لا لحساب الجماهير..» (23) .

ومن هنا تأتي ضرورة الاصطفاف مع الجـماهير قـبال الحكام ، والعمل‌ علی إقناع الحكام بتحقیق مطالب الأمّة ، ولیس إلزام الأمّة بتحقیق مصالح‌ الحكام‌ ، وانطلاقا من وصیة الإمام علي علیه‌ السلام‌ لوالیـه‌ عـلی‌ مصر مالك الأشتر والتي جاء فيها :

«ولیكن‌ أحبّ الأمور إلیـك أوسطها في الحقّ وأعمّها في العدل ، وأجمعها لرضا الرعیة‌ ، فإنّ سخط العامّة یجحف برضا‌ الخاصّة‌ ، وإن‌ سخط‌ الخـاصّة‌ یـفتقر مـع رضا العامّة»(24) .

الهوامش:

1. السیف والسیاسة ـ صالح الورداني‌ ، الطبعة الأولی ١٤١٧ه : ١٠٦ .

2 . انظر البخاري ومسلم ـ کتاب فضائل الصحابة ، باب فـضائل عـلي . . . وانظر الترمذي .

3 . اُنظر صحیح البخاري .

4. اُنظر‌ مسند أحمد ج١ .

5 . اُنظر‌ مسلم‌ کتاب الإیمان .

6. السیف والسیاسة : ١٠٧ عن مسلم : کتاب فضائل الصحابة ـ مناقب علي وآل البیت .

7. نفس‌ المصدر‌ السابق : ١٠٧ عن : طبقات ابـن سـعد‌ ج٢‌ ، ومسند أبو داود الطیالسي .

8 . نفس المصدر السابق : ١٠٨ ، عن : طبقات ابن سعد ، ومستدرک‌ الحاکم‌ ، والإصابة في تمییز الصحابة لابن حجر ، وسیر أعلام‌ النبلاء للذهـبي .

9 . نـفس المصدر : ١١٠ عن الطبراني .

10 . نفس المـصدر : ١١٠ عـن البخاري‌ مسلم‌ ، باب فضائل علي ، ومسند أحمد ج٢ .

11. نفس المصدر‌ : ١١٠ .

12. نفس المصدر : ١١١ .

13 . نفس المصدر السابق : ١١١ عن مسند‌ أحمد‌ ج١‌ .

14. نفس المصدر السابق : ١١٢ .

15 . نفس المـصدر السـابق‌ : ١١٢‌ .

16 . الخدعة ، صالح الورداني ، طـبعة ١٩٩٥ : ٣٠ .

17 . نـفس‌ المصدر‌ السابق‌ : ٢٩ حتّی وصل الأمر حسب قول الورداني أیضا إلی «أن تسمع وتطیع للأمیر‌ وإنْ‌ ضرب ظهرك وأخذ مالك» عن کتاب «الامارة وطاعة الأمیر» صحیح مسلم .

18 . الخدعة‌ ، المصدر السابق : ٣٩ .

19 . نفس المصدر السـابق : ٤٥ .

20 . نـفس‌ المصدر‌ السابق : ٤٥ ـ ٥٠ .

21 . نفس المصدر السابق: ٦٦ .

22 . نفس‌ المصدر‌ السابق: ١٠٢ .

23. نفس المصدر السابق: ١٥٣ .

24 . نهج البلاغة ج٣ .

المصدر: موقع البلاغة