سؤال لقي رواجًا بين مجموعات شبابية شتى في السنوات الماضية، في ظل الدعاية التي أخذتها هذه الحركة إعلاميًا ما جعل مشروع الدولة المزعوم يلقى استحسان الشباب العربي والغربي، ولكن كيف وعلى أي أسس وكيف نجح هؤلاء الإلغائيون في الترويج لأنفسهم بين الشباب؟ أسئلة نحاول الإجابة عنها في هذا التحقيق.
لم تسلَم الأمّة الإسلامية قديماً وحديثًا من داء التكفير والإلغاء، فهو داءٌ بدأ في زمن الإمام علي (ع)، كما يؤكد عضو تجمع العلماء المسلمين الشيخ الدكتور جمال شبيب الذي أشار إلى أن المشكلة بدأت من حركة الخوارج ثم تمحورت حول التاريخ من خلال الكتب الصفراء ومن خلال ظواهر التشدد التي كانت تعلو وتخبو بين فترة وأخرى، حتى وصلنا إلى زمننا هذا حيث استطاع أعداء الإسلام الذين هم على دراية بالتاريخ الإسلامي وبالحركات الإسلامية السياسية. استطاعوا أن يوظّفوا هذا الفكر الخارجي التكفيري واستطاعوا أن يروّجوه وأن يربّوا أجيالاً عليه من خلال أساليب مختلفة وأناس محترِفين في الإقناع للتأسيس لقاعدة متينة.
نشر الفكر السلفي الوهابي المتشدد بدأ قبل زمن القاعدة و"البنلادينية
وعلى أي حال، فإن هذا التيار القديم لم يستعد حياته في الأعوام الأخيرة إلا بحسابات ومخططات منسقة من دول معادية للإسلام وبأموال بعض حكومات المنطقة، وبتخطيط من الأجهزة التجسسية للبلدان الاستعمارية- مثل أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني- وازداد في الآونة الأخيرة قوة ورواجًا. وفي هذا الإطار يوضّح الباحث في شؤون الحركات الأصولية الدكتور أحمد موصللي أنه في العقود القليلة الماضية وعلى تخوم القرنين العشرين والحادي والعشرين شهِد العالم نشاطاً غير مسبوقٍ من قبل الحركات الأصولية، مشيراً إلى حالات غسل الدماغ بين الناس من خلال نشر الفكر السلفي الوهابي المتشدد التي بدأت قبل زمن القاعدة و"البنلادينية" حيث ضخّت أموال طائلة لتحويل الفكر السني العام في العالم عموماً وفي العالم العربي خصوصاً إلى الفكر الوهابي المعتمد على أحكام جاهلية كما يؤكد موصللي.
بعض الشباب كان فريسة السندويشات الفقهية المزيفة
أموال ضخّت بداية في الأحياء الفقيرة في مناطق مختلفة من بلداننا العربية، فكان الحرمان عنواناً من عناوين استقطاب الشباب للفكر الإلغائي الوهابي وكانت الوعود الطوباوية بالإنماء واستعادة حقوق المسلمين، يقول موصللي، مشيراً إلى أن الفقر ليس في كل الأحيان فقرًا ماديًا، فقد يكون فقرًا معنويًا لدى البعض أو شعورًا بالدونية لدى آخرين، مشيراً إلى مجموعات انتمت للحركات الأصولية بسبب شعورها بالدونية أو لأنها شعرت أن الإسلام مهمش أو مستهدف، وهو ما يحصل في بعض الدول الغربية. ويذهب الدكتور موصللي أبعد في الشرح من خلال الحديث عن أن الوهابية تعمقت في منطقتنا معتمدة على دس الدسائس الطائفية وتغذية الخلاف السني – الشيعي، فكان من يرسّخ في عقول الشباب أن الشيعة يأخذون المكاسب والمناصب وأن الشيعة يسيطرون على العالم الإسلامي. ويضيف هذا منطق غير صحيح ولكنه زُرِع في فكر وعقل الشباب وكان الانفجار الكبير بعد غزو العراق وهو ما عملت على تغذيته المملكة العربية السعودية، وفق تعبيره.
من جهته يعتبر الشيخ شبيب أن بعض الشباب خضعوا لهذا الفكر إما لجهلهم بأصول الدين الإسلامي الصحيح التي ورثناها من الرسول الأكرم وأهل البيت والأصحاب، وإما لأنهم كانوا فريسة بعض "السندويشات الفقهية" المزيفة والتي لا تعتمد على تفسيرات دقيقة فالتقطتهم هذه المجموعات، ويضاف إلى ذلك، وهو أساس في الثقافة الدينية ولتبيان الصح من الخطأ، باختيار العالِم المناسب للجوء إليه في تحصيل العلوم الدينية.
أخطر شيء يصل إليه الشاب أن يُطفئ دور العقل أو يُدار وكأنه آلة
ومن هنا يجب على الشباب ضرورة التمييز في اختيار العالِم الذي يسعى إلى رفعة الإسلام وليس إلى دهورته، يقول الرسول الأكرم (ص): الإثم ما حاكَ في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس، ومن هنا فإن الحركات التي تبدأ بالسر والتحزّب المريب لا بد أن تستوقف الشاب وأن تجعله يبتعد عن هذه الحركات.
إنّ من بعض الأمور التي يؤثّرون على الشاب فيها من خلال مبدأ السمع والطاعة وهو ما يرفضه الإسلام، فالسمع والطاعة في الإسلام مبصِر، وعلى الشاب المنتمي لهذه التنظيمات تحت عنوان لواء الإسلام أن يُراجع بعض الأسئلة ومنها سؤال هل قتل الأبرياء موافق للشرع لمجرد أنني اختلف معه في الرؤية أو في التصور، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .إن أخطر شيء يصل إليه الشاب أن يطفئ دور العقل أو يُدار وكأنه آلة. و ينصح الدكتور موصللي الشباب بأن يتخذوا مرجعية معتدلة وأن يقرأوا ويبحثوا في التاريخ الإسلامي الصحيح الذي يحتضن الجميع ولا يكفّر كل من يختلف معه، مشدداً على أن الهدف من وراء كل ما نحن فيه هو تفكيك العالم الإسلامي.
المصدر: التعبئة التربوية