الإمام السيد علي الخامنئي
يقول الله سبحانه و تعالى في كتابه الحكيم:{لَقَد مَنَّ اﷲُ على المُؤمِنينَ اِذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا مِن اَنفُسِهِم}. ويقول الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) في الصحيفة السجادية: «اَلحَمدُ ﷲِ ِ الَّذي مَنَّ عَلَينا بِمُحَمَّدٍ نَبيه دونَ الاُمَمِ الماضية والقُرونِ السّالِفة». المنّة الإلهية لهذه العطية الضخمة للبشرية هي ما يصرح به القرآن الكريم والأئمة المعصومون. وهذه عظمة كبيرة. رحمة للعالمين تعبير استخدمه الله تعالى للإشارة إلى الرسول الأكرم (ص)، ليس لفرقة من البشر، وليس لجماعة من العالمين، لا، رحمة للعالمين، إنه رحمة للجميع. الرسالة التي جاء بها من الله تعالى هدية يهديها للبشرية. إنه يضع هذه البصيرة وهذا الدرب في متناول كل أفراد البشر. طبعاً يوجد هناك أشخاص من أصحاب السلطة والقوة والمال والعسف لا يرغبون للبشرية بأن تنال من مائدة الرحمة الإلهية الممدودة هذه، لذلك يعارضونها ويقفون بوجه هذه المسيرة الإلهية. ثم يقول الله تعالى تتمة لذلك: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ولا تُطِعِ الْكافِرينَ والْمُنافِقين» لا تسر وراءهم واحذر. ويقول في موضع آخر: «وجاهِدِ الْكُفَّارَ والْمُنافِقين، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ والْمُنافِقينَ واغْلُظْ عَلَيْهِم» جاهد الكفار. يقول: جاهد ولا يقول قاتل الكفار والمنافقين. فقتال الكفار والمنافقين ليس لازماً دوماً، لكن الجهاد ضروري دائماً. قد يكون الجهاد أحياناً جهاداً سياسياً، وقد يكون في بعض الأحيان جهاداً ثقافياً، وقد يكون تارة جهاداً ناعماً، وقد يكون في حين آخر جهاداً صلداً، قد يكون بالسلاح حيناً، وقد يكون بالعلم حيناً آخر. كل هذا جهاد. ولكن ينبغي التفطن في كل هذه العمليات والممارسات إلى أن هذا جهاد ضد عدو، ضد عدو البشرية. ضد الأعداء الذين يفرضون وجودهم الثقيل ومطامعهم ضد البشرية مستخدمين قوتهم وأموالهم وعسفهم. إنه جهاد ضد هؤلاء. لا معنى للاستسلام لهؤلاء «اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين». كثيرة جداً الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن الرسول الأكرم (ص) وعن التعاليم التي تخاطب بها الرسول وتعلمه خطوة بعد خطوة وكلمة بعد كلمة كيفية بناء المجتمع الإسلامي الفتيّ. وهذه هي توصياتنا لأنفسنا ولشبابنا وللمبلغين الدينيين، ولمن يمسكون بأيديهم أزمّة أفكار الناس، بأن يراجعوا كل هذه الآيات القرآنية ويطلعوا على كل هذه المفاهيم في القرآن الكريم، فهي مجموعة متكاملة.
مشكلتنا أننا نغفل عن المجموعة الكاملة من التعاليم الإلهية التي يخاطب بها الرسول الأكرم (ص) وتوصيفات الله للرسول. لو وضعنا هذه المجموعة الكاملة نصب أعيينا فسوف يتجلى أمامنا ذلك السلوك الصحيح وذلك الصراط المستقيم الذي سار عليه الرسول الأكرم (ص). «إنك على صراط مستقيم» يجب العثور على هذا الصراط المستقيم. ما أرى من اللازم قوله هو إن العالم الإسلامي اليوم يمرّ بمحن كبرى، وسبيل حلّ هذه المحن هو الاتحاد الإسلامي.
الوحدة هي التآزر ومساعدة البعض للبعض وتجاوز الاختلافات المذهبية والفكرية. نظرة أجهزة الاستكبار والاستعمار للعالم الإسلامي اليوم هي أن تحاول إبعاد العالم الإسلامي عن وحدته أكثر فأكثر، فالوحدة تهديد وخطر بالنسبة لهم. مليار ونصف المليار مسلم، كل هذه البلدان الإسلامية بكل هذه المصادر وكل هذه الطاقات البشرية الهائلة إذا اتحدت وتحركت بوحدة نحو الأهداف الإسلامية فلن يستطيع الأقوياء مواصلة القرع على طبول قوتهم، ولن تعود أمريكا قادرة على فرض إرادتها على البلدان والحكومات والشعوب. ولن تعود الشبكة الصهيونية الخبيثة قادرة على الإمساك بالحكومات والقوى المختلفة في قبضة اقتدارها، وتوجيهها لصالح دربها وشؤونها. هكذا سيكون الحال إذا اتحد المسلمون. إذا اتحد المسلمون فلن يكون وضع فلسطين على ما نشاهده اليوم. إن وضع فلسطين اليوم وضع صعب، فالشعب الفلسطيني يتعرض في غزة بشكل وفي الضفة الغربية بشكل لضغوط يومية شديدة. يريدون إبعاد قضية فلسطين عن الأذهان وإنسائها. منطقة غرب آسيا - والتي تضمّ بلداننا هذه - وهي منطقة حساسة واستراتيجية للغاية سواء من الناحية الجغرافية أو من حيث المصادر الطبيعية أو من حيث المعابر البحرية، إنها منطقة حساسة، يريدون أن يشغلوا هذه المنطقة بنفسها، وأن يقف المسلمون في وجه المسلمين، والعرب ضد العرب، فيستهدفوا بعضهم البعض ويقضي بعضهم على بعض.
يريدون لجيوش البلدان الإسلامية، وخصوصاً جيوش البلدان المجاورة للصهاينة أن تؤول إلى الضعف يوماً بعد يوم. هذا هو هدفهم. هناك اليوم إرادتان متعارضتان في هذه المنطقة. إحداهما إرادة الوحدة والثانية إرادة التفرقة. إرادة الوحدة هي ما يريده المؤمنون، فهتاف الاتحاد واجتماع المسلمين يرتفع من الحناجر المخلصة ويدعو المسلمين إلى التركيز على القواسم المشتركة بينهم. إذا كان هذا وتحققت هذه الوحدة فسوف لن يكون وضع المسلمين اليوم هذا الذي نشاهده على هذا الشكل، وسوف يكتسب المسلمون العزة. هناك اليوم تقتيل للمسلمين من أقصى شرق آسيا في ميانمار إلى غرب أفريقيا في نيجيريا وما شابه. في كل مكان يقتل المسلمون سوية على أيدي البوذيين، ويقتلون في مكان ما على أيدي بوكوحرام وداعش وما شاكل. وهناك البعض يصبّون الزيت على هذه النيران، والشيعة البريطانيون مثل السنة الأمريكيين، كلاهما شفرتا مقصّ واحد يحاولون أن يوقعوا بين المسلمين. هذه هي رسالة إرادة التفرقة، وهي إرادة شيطانية. أما رسالة الوحدة فهي أن يتجاوز المسلمون هذه الاختلافات ويتحدوا ويتعايشوا ويعملوا سوية.
لاحظوا في الوقت الحاضر التصريحات التي يطلقها المستكبرون ومحتلو الأجواء الحيوية للشعوب، وستجدون أنها دعوة للتفرقة. كان يقال منذ القدم للسياسة البريطانية بأنها سياسة «فرّق تسد». كن سيداً بفضل التفرقة. هكذا كانت السياسة البريطانية يوم كان لها سلطة واقتدار. واليوم أيضاً يواصل عتاة العالم الماديون هذه السياسة سواء أمريكا أو حتى بريطانيا مرة أخرى في هذه الآونة الأخيرة. لقد كان البريطانيون في منطقتنا مصدر شرور دائماً، كانوا مصدر نكبات للشعوب دائماً، والضربات التي وجهها البريطانيون لحياة الشعوب في هذه المنطقة ربما قلّ أن يكون لها نظير من ضربات وجهتها قوة لمنطقة في العالم. لقد وجهوا تلك الضربات لشبه القارة الهندية التي تضمّ اليوم الهند وبنغلادش وباكستان، ومارسوا الضغوط على الناس، وفي أفغانستان بشكل، وفي إيران بشكل، وفي العراق وتلك المناطق بشكل. وبالتالي مارسوا في فلسطين ذلك التحرك المشؤوم الخبيث وفرضوا التشرد على المسلمين وعلى شعب، حيث طردوا الشعب الفلسطيني من دياره. بلد تاريخي مسجل منذ عدة آلاف من السنين باسم فلسطين زال بسبب سياسة البريطانيين.
منذ قرنين ونيّف، أي منذ عام 1800 و ما بعد لم يصدر أي شيء عن البريطانيين في هذه المنطقة سوى الشرور والفساد والتهديد. وإذا بذلك المسؤول البريطاني يأتي إلى هنا ويقول إن إيران تهديد للمنطقة. إيران تهديد للمنطقة؟ لا بدّ من درجة عالية من انعدام الحياء يحتاجه الذين تسببوا طوال الزمن في تهديد المنطقة ونكباتها حتى يتهموا بلدنا المظلوم العزيز. هكذا هم هؤلاء. منذ أن لوحظت مؤشرات الصحوة الإسلامية في هذه المنطقة ازدادت نشاطات بث التفرقة. لقد اعتبر هؤلاء التفرقة وسيلة للسيطرة على الشعوب.
منذ أن ساد الشعور بوجود أفكار جديدة في هذه المنطقة، أفكار إسلامية جديدة عن صمود الشعوب وإحيائها ووقفتها، وإذا بتحركات الأعداء الرامية إلى التفرقة تزداد. وعندما قام النظام الإسلامي في إيران ورفع راية الإسلام ورفع القرآن على يديه وقال بفخر إننا نعمل بالإسلام وكان له السلطة والسياسة والإمكانيات والجيش والقوات المسلحة وكل شيء واستخدم كل هذه العوامل وعززها يوماً بعد يوم، ازدادت هذه التحركات الرامية إلى التفرقة. شددوا هذه التحركات الهادفة إلى التفرقة من أجل مواجهة هذه النهضة الإسلامية بهذه العزة الإسلامية. لقد كان الإسلام خطراً عليهم عندما يدفع المسلمين إلى اليقظة. أما ذلك الإسلام الذي ليس له حكومة ولا جيش ولا جهاز سياسي ولا أموال وليس له شعب كبير مجاهد، فهو يختلف عن إسلام يمتلك كل هذه العناصر.
الجمهورية الإسلامية أرض واسعة، وشعب مجاهد، وجماهير شابة متحفزة مؤمنة، ومعادن غنية، ومواهب أعلى من المتوسط العالمي، وهناك حركة نحو العلم والتقدم، إيران هذه طبعاً تشكل خطراً بالنسبة لهم، لأنها ستتحول إلى نموذج أمام الشعوب المسلمة، وهذا ما يعادونه ولا يريدونه. وحين يدعون اللين والمرونة في حين من الأحيان فهم يكذبون وباطن أمرهم العنف والعسف. ينبغي معرفتهم وفهمهم. ينبغي للشعوب أن تكون مستعدة لمواجهة هذا العدو الذي لا أخلاق له ولا دين ولا إنصاف، وله ظاهر مهندم أنيق وهو في الباطن وحش بكل معنى الكلمة. ونعتقد أن أهم مسألة في الوقت الحاضر هو الاتحاد بين المسلمين. ليحذر المسلمون من إيجاد الخلافات، ولا فرق في ذلك بين أيّ من الفرق من سنة وشيعة. على كل الفرق الإسلامية أن تسعى إلى تجاوز اختلافاتها الفكرية بفضل المشتركات الكثيرة التي تجمع بينها.
الرسول الأعظم (ص) هذا الوجود المقدس هو القطب الذي تتجمع حوله كل محبة الشعوب المسلمة ومودتهم. الكل يعشقون الرسول الأكرم (ص) باعتباره قطباً. هذه هي النقطة المركزية. القرآن هو موضع توجه واعتقاد كل المسلمين. وكذلك الكعبة الشريفة، وكم المشتركات بين المسلمين كثيرة. ليهتم المسلمون بهذه المشتركات ويركزوا عليها، وليعرفوا عملاء الأعداء وعملاء الاستكبار في المنطقة. للأسف يأتي ذلك العدو الصريح ويقول: أنتم أعداءٌ بعضكم لبعض، وهذا البلد خطرٌ عليكم يهددكم، أي إنكم أعداؤهم وهم أيضاً أعداؤكم. العدو هو الذي يقول هذا، والأمر واضح بالتالي. الذين يسمعون كلامه وهم يعيشون ويحكمون بظاهر إسلامي وباسم إسلامي لماذا يقبلون هذا منه ولماذا يصدقون كلامه، ولماذا يتماشون معه؟ بعض حكومات المنطقة تتماشى للأسف مع أعداء الإسلام وأعداء الأمة الإسلامية العلنيين، وتتبعهم. علينا نحن كإيرانيين ألا نترك درب إمامنا الخميني الجليل ودرب الثورة ، فعزة الدنيا والعزة في الملأ الأعلى رهن بأن نسير على هذا الدرب. إنه درب التمسك بالقرآن والعترة، ودرب الاعتصام بالأحكام الإلهية، ودرب الصمود بوجه الأعداء، وطريق عدم التردد في قول الحقيقة والدفاع عنها. هذا هو الدرب الذي لو سار عليه شعبنا وقد سار عليه لحد الآن والحمد لله، فقد سار خلف مسؤولي البلاد، إذا واصل هذا الطريق والكفاح فسوف يضمن دنياه وآخرته، ويمكن لمسلمي العالم الآخرين أن ينتفعوا أيضاً. إننا ندعو كل المسلمين والبلدان الإسلامي إلى التآزر ومساعدة بعضهم لبعض. وهذه دعوة لصالح الجميع.
المصدر: khamenei.ir