سيد جميل المصلي
سئل أحد العرفاء: ماهو الذكر الذي أوصلك للمعرفة فقال: يا حآضر يا ناظر.
وهو يعني شرح للآية المباركة " وهو معكم أين ما كنتم ثم ينبئكم بما كنتم تفعلون" بلا زيادة أو نقصان. أي استشعار معيته تبارك وتعالى في القلب في جميع الحركات والسكنات وفي جميع المحافل. في الخلوة مع النفس ابتداء وفي السوق ومع الأهل والخلق وحتى عند الخلود إلى النوم.
وهو ذكر نافع عن الغفلة عن الله سبحانه وتعالى والأدب في محضره.
فضجيج الدنيا وأهلها لا يدعان للإنسان الخلوة القلبية مع الحق عز وجل.
وعلى الإنسان السالك ان لا يغفل عن حقيقة المعية مع الأغيار كالزوجة أو الزوج والأهل والأولاد لإنهم يأخذون من طاقاته المعنوية ما لا يحصى وهذا المعنى يعلمه أهل الذوق العبادي الذين تؤثر فيهم أدنى المؤثرات القلبية كالغضب مثلا الذي يسلب المرء اتزانه ووقاره.
إن إرداف الأسمآء المتعالية للذات المقدسة التالية بيآء الندآء:
يا رقيب .
يا سميع.
يا بصير.
يا حسيب.
نافعة في تفعيل المعية للسالك.
فالرقيب تستبطن مراقبته لنا.
والسميع تستبطن سماعه نجوى قلوبنا.
والبصير تستبطن إحاطته الكلية بحركاتنا وسكناتنا سوآء الجارحية أو الجوارحية.
والحسيب تستبطن يوم حصاد الأعمال القلبية والقالبية من المحاسب الذي لا تخفى عليه خافية.
وإن التدرب على استشعار المعية الربوبية ليس بالأمر العسر ولكنه يحتاج إلى صبر وأناة وبعدها يصبح ملكة تأخذ بلب السالك فلا يغفل حيث يغط معظم الخلق في التلذذ بمعشوقاتهم وكل بحسب محبوبه بالنسبة لجميع الشرائح والطبقات.
ويتخذ قاعدة" كن في الناس ولا تكن مع الناس"
وهناك فرق كبير بين "في" التي تفيد الظرفية حيث يكون الإنسان مظروفا لا ظرفا وهو الخفآء في المجموع من دون معرفة حاله مع الله، وبين " مع" التي تفيد المصاحبة والذوبان والإندكاك في غفلاتهم ولهوهم ولعبهم واضمحلال المعية.
قال مولانا الصادق عليه السلام:
" خف الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وإن علمت أنه يراك وعصيته فقد بارزته بالمعصية"
وهو من درر موضوع المعية ويصلح مصباحا للمبتدئ يهتدي بنوره إذ يأمره عليه السلام بفعل الأمر "خف" والخوف من علامات المراقب لمعية المولى عز إسمه ودافع للأدب في محضره سبحانه وتعالى وكأنه واقف أمامه.
ولتعلم بأن معظم الويلات التي نقترفها ونكتوي بملازماتها هي نتيجة الإعراض عن معيته سبحانه تقدست أسماؤه والإستغراق في عشق محبوباتنا من متاع الحياة الدنيا والتي لا حد لها ولا حصر حتى وإن كانت مصنفة في مساحة المباح التي يبرر لها معظمنا من أجل اقتحام المزيد منه!
وكم هو مؤثر الإستغراق في المباح في موضوع المعية لو تأملنا عن ملاحظة جمال الجميل والعروج نحو آفاق الكمال المعنوي.
اللهم أشعل قناديل معيتك في أرواحنا واكنس غبار غفلات قلوبنا عن النظر إلى زهرات الحياة الدنيا ومتعنا بلذيذ مناجاة قربك ووصلك.
المصدر: al-mousa.net