خولة القزويني**
الشخصية القيادية المتكاملة هي التي تتحد جميع عناصرها في توليفة واحدة فكراً وعاطفة وهدف واتجاه، والسيد علي الخامنئي يجسد هذا النوع من الشخصيات التي تسمح لنفسها أن تتمدد وفق معطيات الظروف العصرية التي تحدها من كل اتجاه، فقد ترك في السابق عالم الدين صورة ثابتة في الأذهان ضمن إطار ديني بحت وقالب صلب صعب اختراقه نحو أبعاد أخرى في الحياة حتى ولد في أنفسنا حالة رفض واستهجان لكل أمر خارج إطار هذه الصورة.
والسيد علي الخامنئي قائد وقدوة ترك بصمة حضارية قلماً نجدها في أي عالم دين، إذ استطاع من منطلق موقعه القيادي أن يوجه مسارات الدولة سياسياً واجتماعياً وحتى ثقافياً، وقد أشبعتنا الصحف والأخبار بكل هذه الجوانب تغطيةً واستيعاباً حتى تمكنا فهم شخصيته السياسية وحنكته على الوجه الأكمل، أما الجانب الآخر أو الوجه الذي لم يعرفه إلا قلة من الناس، فهو رعايته للآداب والفنون والمسرح بإعتباره أديباً فذاً وشاعراً مرهفاً يشهد له كل الأدباء والمثقفون على ذلك، فها هو يقول في محضر لقائه بالأدباء: "أعتقد أنني قرأت كل الروايات التي ترجمت من الآداب العالمية إلى اللغة الفارسية"( مجلة ثقافتنا للدراسات والبحوث المجلد (1) ، العدد الأول سنة 2003). إذ أبدى إعجابه بالروائيين الأوربيين والأمريكيين معتقداً أن الرواية هي ذروة ما يستطيع أن يقدمه الإنسان في مجال الإبداع الأدبي، وهذه الجزئية قد تكون خافية لدى البعض من يتصور أن هناك ثمة إشكالية وجدلية بين الالتزام الديني والميل النفسي للآداب والفنون بما تحمل من حس شاعري ووهج عاطفي، فشخصية الارتباط به إنه محب للأدب والفنون وراعياً متذوقاً لهذه الأصناف من المعارف وقد خصص يوماً في الأسبوع للقاء نخبة من الأدباء والشعراء في إيران.
وقد شجع السيد الخامنئي حركة الترجمة في إيران وأوعز للمطلعين من الأدباء على ضرورة نشر الآداب العربية والعالمية في الجمهورية ،ليتم تداولها بين الناس وواكب ترجمتها حتى أنه عندما يسأل في هذا الصدد يجيب عن أسماء الروائيين ومحاور رواياتهم ناقداً الحبكة الدرامية عارفاً بعناصر القصة الفنية وشرائطها ، ويتحدث مع الناشرين في الآداب العالمية . وكثيراً ما يشاهد وهو يذرع معرض الكتاب السنوي في طهران طولاً بعرض وهو يتفحص أحدث الروايات العالمية في هذا المجال.
وللسيد حساسية مفرطة ورهافة يشهد له فيها كبار الشعراء والأدباء المعاصرين في إيران، حتى أنه كان يتردد في بداية شبابه على الأندية الأدبية وينشد الشعر ويقارن بتمكن وإجادة بين الأدب القديم والحديث ويكتب النثر الخلاب الذي يتميز بنكهة شعرية جميلة وقد ترجم بنفسه كثيرا من الأداب العربية إلى الفارسية وبرع في صياغتها صياغة فنية رائعة.
وعرف عنه أنه يحب الشعر العمودي المقفى ذو الجرس الموسيقي الذي تألفه الأذن أكثر من الشعر المنثور، وقرأ بشغف لشعراء العرب وأحبهم إلى قلبه الشاعر المصري ((أحمد شوقي)) والشاعر العراقي ((محمد مهدي الجواهري))، كما قرأ لإقبال اللاهوري وكتب عنه وعن أدبه دراسة قيمة.
والسيد يرفض الإنغلاق تجاه الفنون ومن ليست لهم نظرة إيجابية ومنفتحة إزاء هذا اللون من الإبداع، في حين يلتقي هو بنفسه بالفنانين من مسرحيين وسينمائيين ممثلين ومخرجين، ويتحاور معهم في هذا الجانب ناقداً إياهم نقداً بناءينم عن ذوق وفهم عميق . وهو يشجع الجمهورية على أن تسير في هذا الاتجاه من أجل تنمية الحس الأدبي المرهف في وجدان الشباب ،حتى أن له أحاديث وأقوال ونظريات في هذا الصدد لا يسع المجال لذكرها.
وهي في الواقع رسالة موجهة لكل شعوب الإسلام من أجل أن تكسر طوق الجمود الذي كبل حركتها النامية ناحية الرقي الحضاري بكل أبعاده، فنمو الحس الفني والذوق الجمالي في الإنسان والكون يعمل على تحسين لغته وأسلوبه ويثري مفرداته ويصيغ عقيدته السامية بصيغه إنسانية راقية، فالأدباء هم من يزرعون الأرض سنابل قمح ويغرسون الحب في حقول الياسمين.
**أديبة كويتية
المصدر: alialasghar.us