نظرة في حديث : "لا وليمة إلا في خمس..."

الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 - 10:51 بتوقيت غرينتش
نظرة في حديث : "لا وليمة إلا في خمس..."

حديث - الكوثر

الشيخ محمد صنقور

روي عن رسول الله (ص) أنه قال: "لا وليمةَ إلا في خمسٍ: في عرسٍ، أو خرسٍ أو عذارٍ، أو وكارٍ أو ركازٍ، فالعرسُ التزويجُ، والخرس النفاسُ بالولد، والعذارُ الختان، والوكارُ الرجل يشتري الدار، والركاز الرجل يقدمُ من مكَّة" ( وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 ص65).

فهل يعني هذا الحديث أنَّه لو تمَّت الوليمةُ في غير هذه الموارد المذكورة في الحديث تكون من البدعة والتشريع ؟

في الواقع، الروايةُ المُشارُ إليها هي معتبرةُ موسى بن بكر، عن أبي الحسن (ع): أنَّ رسولَ الله (ص) قال: "لا وليمةَ إلا في خمسٍ ..."

والمنفيُّ في الحديثِ الشريف هو استحباب الوليمة في غير الموارد الخمسة المذكورة أو أنَّ المنفيَّ هو تأكُّد استحبابِ الوليمة في غير الموارد المذكورة، فمساقُ الحديثِ هو مساقُ ما رُويَ عن النبيِّ (ص): "لا سهر إلا في ثلاث، تهجُّدٌ بالقرآن، أو طلبُ علمٍ، أو عروسٌ تُهدى إلى زوجِها" (وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج20 ص92-93) فإنَّ معنى ذلك هو أنَّه لا سهرَ راجحٌ إلا في ثلاثةِ شئون.

وكذلك هو معنى ما رُويَ عن النبي(ص) أنَّه قال: " لا سهرَ بعد العشاء الآخرة إلا لأحدِ رجلين مصل أو مسافر" (وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 ص504) فإنَّ معنى ذلك هو أنَّه لا ينبغي السهر أو لا يحسن السهر بعد العشاء الآخرة إلا لمشتغلٍ بالصلاة أو مشتغلٍ بالسفر، والسهر لغير هذين الغرضين مرجوح.

وعليه فمفاد الرواية هو انَّه لا تُستحبُّ الوليمة إلا في الموارد الخمسة المذكورة أو انَّ مفادها هو عدم تأكُّد استحبابِ الوليمة في غير الموارد المذكورة.

والقرينةُ على أنَّ المنفيَّ في الرواية هو الاستحباب أو تأكُّدُه هي قيام الضرورة الفقهيَّة على إباحة الوليمةِ مُطلقاً، فهذه القرينة تقتضي ظهورَ النفي في إرادة نفيِ الاستحباب بل إنَّ ما ورد كثيراً من الحثِّ على إطعام الطعام مُطلقاً يصلحُ لاستظهار أنَّ المراد من النفي هو نفيُ تأكُّدِ الاستحباب في غير الموارد الخمسة المذكورة. وعليه فإذا كان المنفيُّ هو الاستحباب أو تأكُّده فإنَّ من الواضح انَّ ذلك لا يقتضي نفي الإباحة والمشروعيَّة عن غير الموارد الخمسة، فكثيراً ما يكونُ الفعل غير مُستحبٍ شرعاً ولكنَّه مباح، نعم يكونُ الفعلُ تشريعاً عندما يقصدُ المكلَّف استحبابَه في فرض عدم ثبوت استحبابِه، وأما الإتيانُ بالفعل المُباح مع عدم قصد الاستحباب فإنَّه لا يكون تشريعاً.

تصنيف :